للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ١؛ فلو كان العقل حجة عليهم، لما قال: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} بل كان الواجب [٥٥/ب] أن يقول: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد العقل؛ ولما لم يقل هذا؛ ثبت أن العقل لا تأثير له في ذلك.

ويدل على هذه المسألة من غير بناء على أصل: أن الله تعالى أمر إبراهيم بالذبح ومنعه منه قبل وقوع الفعل؛ فلو كان أمره بالذبح مصلحة؛ لم ينهه عن فعله قبل فعله؛ فلما نهاه عنه؛ علمنا أنه لم يكن له مصلحة في ذلك الأمر.

ويدل عليه أيضًا: اتفاق الجميع على أنه قد يأمر من قد سبق في علمه أنه لا يفعل ما أمر به، كأمره للكفار بالإيمان، وقد علم أنهم لا يؤمنون، ومعلوم أنه لا مصلحة لهم في هذا الأمر؛ لأن تركه لا يوجب عليهم مأثمًا؛ لأنه لا يوجد من جهتهم مخالفة، وبالأمر يحصل منهم مخالفة، فيستحقوا على ذلك العذاب، فكان ترك الأمر أنفع لهم منه. وجرى هذا مجرى من علم من حاله أنه متى دفع إليه سيفًا يقاتل به؛ قتل به نفسه؛ فإن المصلحة له أن لا يعطيه شيئًا، وكذلك من علم من حاله أنه متى سافر قطع عليه وقتل، ولم يصل إلى ربح، كان الأصلح له ترك ذلك. وهذه طريقة جيدة على هذه المسألة٢.


١ "١٦٥" سورة النساء.
٢ في "المسودة" ص "٦٤" تحرير لمحل النزاع، حيث جاء فيها: " ... وذلك أن عندنا للأمر بالشيء لمصلحة ثلاث جهات:
أحدهما: نفس الأمر بقيد الاعتقاد والعزم.
وثانيها: الفعل من حيث هو مأمور به تعبدًا وابتلاءً وامتحانًا.
وثالثها: نفس الفعل بما اشتمل عليه من المصلحة.
والمعتزلة تنكر القسمين الأولين. فعلى هذا يجوز أن يأمر بفعل لا مصلحة فيه، بل في الأمر والتكليف به.
الثاني: أنه يجوز أن يأمر العبد بما لا مصلحة فيه، على تقدير المخالفة، فتكون المصلحة في الفعل -لو وقع- لا مصلحة للعبد في نفس تكليفه؛ كالأمر بالإيمان، وهذا مما لا يختلف أهل الشرائع فيه.
الثالث: أنه يجوز أن يأمر بما لا مصلحة فيه على تقدير الموافقة، بمعنى: أن العبد لو فعل المأمور به؛ لم تكن له فيه مصلحة، فهذا جائز لله؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم بما يريد، خلافًا للمعتزلة "في قولهم": هو غير جائز له..

<<  <  ج: ص:  >  >>