للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

متعبداً به؛ لأْنه حينئذ يصير راداً لما أتى به الأول ومخالفاً له فيه، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز أن يخبر الثاني بخلاف ما أخبر به الأول.

قيل: لو كان الثاني متعبداً بما تعبد به الأول [فذلك] لا يوجب أن يكون راداً لما أتى به في الأول؛ لأنه يقول: ما يأتي به الأول حق وصواب، مثل ما أتيت به، وإن كان مخالفاً له، كما أن المستشارين إذا أشار أحدهما بخلاف ما يشير به صاحبه، لم يكن أحدهما راداً لرأي الآخر، بل يقول كل واحد منهما: إن ما يراه صاحبي صواب منه، وما رأيت أنا صواباً مني، وليس هذه حال الخبر، لأنه إنما يكون صدقاً وكذباً بحال (١) يرجع إليه؛ لأنه إن كان مخبره على ما أخبر به كان صدقاً (٢) ، وإن كان بخلاف ما أخبر به كان كذباً.

وأما الأفعال الشرعية، فإنها لا تكون حقاً وصواباً بحال يرجع إليها، وإنما يكون صوابا، لما فيه من المصلحة، فيكون الفعل الواحد مصلحة في حال، وتكون المصلحة في خلافه في حال أخرى، كالمرأة الطاهر (٣) تكون المصلحة لها في الصلاة والصيام، وإذا حاضت كانت المصلحة لها في ترك ذلك.

وكذلك المقيم والمسافر، والصحيح والمريض، ولا يمتنع أن تكون المصلحة للنبي الثاني في أن يتعبد بخلاف ما تعبد به الأول.

فإن قيل: كيف يصح هذا على أصلكم، وعندكم أن العقل لا يبيح ولا يحظر؟

قيل: من أصلنا: أن العقل لا مدخل له في إباحة شيء [١٠٧/أ] ولا


(١) في الأصل: (محال) .
(٢) في الأصل: (صادقاً) .
(٣) في الأصل: (والطاهر) ، والواو هنا لا معنى لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>