وقولُه:(الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمَّدٍ)، وقولُه:(الذي عهدته إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة): العهدُ اسمُ مصدرٍ مُضاف إلى مفعوله في الجملتين؛ فيكون التقدير في الجملة الأولى: أوفوا بعهدي الذي أخذتُه عليكم؛ فيدخل في ذلك كلُّ ما أخذه اللهُ على بني إسرائيل من المواثيق؛ كما في قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ … } الآية [البقرة: ٨٣]، وقوله:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}[البقرة: ٨٤]، وقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ … } الآية [آل عمران: ٨١].
والتقدير في الجملة الثانية: أوفي بعهدكم الذين عهدته إليكم؛ فيدخلُ في ذلك كلُّ ما وعدَ اللهُ به بني إسرائيل من الثواب العاجل والآجل؛ كما في قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}[المائدة: ٦٥ - ٦٦]، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} إلى قوله: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ … } الآية [المائدة: ١٢].
وقولُه:(خافون في ترك الوفاء به دون غيري): الرهبةُ: خوفٌ مع الفرار من المخوف (١)، لكنَّ اللهَ الفرارُ منه إليه، والضمير المنصوب «إياي»: مفعولٌ به
(١) ينظر: «المفردات» (ص ٣٦٦)، قال ابن القيم: «الرهبة هي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه، وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى، يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع» «مدارج السالكين» (٢/ ١٨١).