وقولُه:(سترناكم بالسَّحاب الرقيق من حرِّ الشمس): فسَّر {ظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ}: بـ «سترناكم»، وهذا بعضُ معنى الكلمة، وقد عُدِّي الفعلُ بـ «على»، فهو مُضمَّنٌ معنى جعلنا الغمام عليكم؛ أي: من فوقكم يَقِيكم حرَّ الشمس، وفسَّرَ الغمامَ بالسحاب الرقيق، إذًا هو نوعٌ من السحاب، فالسحابُ يكون رقيقًا وغليظًا.
وقولُه:(فِي التيه): يُبيِّن بذلك أن تظليلَهم بالغمام وإنزالَ المنِّ والسَّلوى عليهم كان في زمن التيه، وهو مدة أربعين سنة كما في آية المائدةِ، هذا هو المشهورُ (١)، ويظهر أنه قد حصل لهم أيضًا قبل التيه بعد أن نجاهم اللهُ من عدوهم؛ كما في قوله تعالى:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَأنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}، والظاهرُ أنَّ هذا خطابٌ لبني إسرائيل الذين كانوا مع موسى بعد نجاتهم، ومجاوزتهم البحر، فتكون نظيرَ قوله تعالى عن موسى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}.
وعلى هذا فالخطاب في آية «طه» وآية «إبراهيم» لبني إسرائيل الموجودين في عهد موسى، وتُشبههما آية الأعراف:{وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ … } الآية، وذلك بخلاف ما في سورة البقرة؛ فإنه خطابٌ لبني إسرائيل الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تذكيرًا لهم بِنَعم الله على أسلافهم، وتحذيرًا لهم ممَّا وقع من أسلافهم من أنواع الظلم والعصيان.
(١) قال ابن عباس: «ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام»، وروي عن ابن عمر، والربيع بن أنس، وأبي مجلز، والضحاك، والسدي، وقتادة؛ نحو قول ابن عباس. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٦٩٩) (١/ ٧٠٦ - ٧١٠)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ١١٣)، و «التفسير البسيط» (٢/ ٥٤٦).