للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووجبت عليه الدِّيةُ؛ فعلى العافي إذن طلبُ الدِّية بالمعروف، وعلى القاتل أداؤها إلى الولي بإحسان.

وقوله: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}: اسمُ الإشارة راجعٌ إلى حكم التخيير بين القصاص والعفو إلى الدية، فإنه تخفيفٌ من الله في هذه الشريعة بعد أَنْ كان القصاص حتمًا في شريعة التوراة (١)، وهذا من رحمة اللهِ التي قامت عليها رسالةُ محمد صلى الله عليه وسلم؛ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]، وفي ذكر هذا التخفيف والرحمة امتنانٌ من الله على هذه الأُمَّةِ بهذه النعمة.

وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم (١٧٨)}: تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ لمَن اعتدى بعد العفو وأَخذَ الدِّيةَ، و «مَنْ»: اسمُ شرطٍ أو اسمُ موصولٍ مُتضمِّنٌ لمعنى الشرط.

وقوله: {فَلَهُ}: جوابُ الشرط، وهو وعيدٌ شديدٌ للمعتدي بعد العفو وأَخْذِ الدِّية، والمراد بالعذاب؛ قيل: تحتمُ القتل على المعتدي، وقيل: المرادُ به عذابُ الآخرة، وهو أظهرُ (٢).

وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون (١٧٩)}: خبرٌ من الله عن حكمة فرضِ القصاص، وهو أنَّ للناس في القصاص حياة بسبب سلامتِهم من فُشُوِّ القتل فيهم؛ لأنَّ في القصاص رادعًا يمنع من الإقدام


(١) أخرج البخاري (٤٤٩٨) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية». فقال الله تعالى لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ، وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}.
(٢) القول الأول الذي ذكره شيخنا روي عن قتادة، والقول الثاني هو المشهور، وهو قول مالك ونسبه ابن عاشور لجمهور المفسرين، واختاره الزمخشري والرازي، واستظهره أبو حيان. ينظر: «الكشاف» (١/ ٣٧٢)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٤٢٧)، و «تفسير الرازي» (٥/ ٢٢٨)، و «البحر المحيط» (٢/ ١٥٣)، و «التحرير والتنوير» (٢/ ١٤٤).

<<  <   >  >>