فرغتم من أعمال الحج، وفيه التفاتٌ عن الغيبة {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} جملةُ تأكيدٍ لِمَا قبلها {ذَلِكَ} الحكمُ المذكورُ من وجوب الهدي أو الصيام على مَنْ تمتَّع {لِمَنْ لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} بأن لم يكونوا على دون مرحلتين من الحرم عند الشافعي، فإن كان فلا دمَ عليه ولا صيامَ وإن تمتع. وفي ذكر الأهل إشعارٌ باشتراطِ الاستيطان، فلو أَقام قبل أشهرِ الحج، ولم يستوطن وتمتع؛ فعليه ذلك، وهو أَحدُ وجهين عندنا، والثاني: لا، والأهلُ كنايةٌ عن النفس، وأُلحقَ بالمتمتِّعِ فيما ذُكِرَ بالسنَّة القارنُ؛ وهو مَنْ يُحرم بالعمرة والحج معًا، أو يُدخِل الحجَّ عليها قبل الطواف {وَاتَّقُوا اللَّهَ} فيما يأمركم به وينهاكم عنه {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} لمن خالفَه.
وقولُ المؤلِّف:(أَدُّوهما بحقوقهما): أي: افعلوهما بجميع مناسكهما، وهذا يقتضي أَنَّ المؤلفَ يذهب إلى أَنَّ الآيةَ دليلٌ على وجوب الحج والعمرة، وهو يقتضي أَنَّ الحجَّ فُرِضَ في السنة السادسة، والصوابُ خلافه.
وقولُه:(عن إتمامهما … ) إلى آخره: فسَّرَ الإحصارَ بالمنع من إتمامهما، وخصَّ الإحصارَ بحصر العدو، وهذا هو الذي وقع في السنة السادسة حين منع المشركون الرسولَ وأصحابَه من دخول مكة، وسمَّاه اللهُ صدًّا عن المسجد الحرام، واتفق العلماءُ على أَنَّ حَصْرَ العدو إحصارٌ يجب به الهدي، ويُباحُ به التحلل من الإحرام، وذهب كثيرٌ من العلماء إلى أَنَّ الإحصارَ لا يختصُّ بحصر العدو، بل يعمُّ كلَّ مانعٍ من إتمام النُّسك من مرضٍ وغيره (١).
(١) وهو قول ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة عنه، وابن مسعود، ومجاهد، والحسن وجماعة، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره الطبري. ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٣٤٢ - ٣٤٥)، (٣/ ٣٤٧ - ٣٤٨)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٤٧١ - ٤٧٣)، و «زاد المسير» (١/ ١٥٩)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٥٣٣).