للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهْوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقيَّد حبوطَ أعمالِهم والخلودَ في النار بالموت على الكفر، فعُلم من ذلك أَنَّ مَنْ تاب من رِدَّته قبل الموت سَلِمَ له ما عَمِلَه قبل الردَّةِ، وكان من الناجين من الخلود في النار.

وأَرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَوَّل سراياه وعليها عبدُ الله بن جحشٍ، فقاتلوا المشركين وقتلوا ابنَ الحضرمي آخر يومٍ من جمادى الآخرة، والتبس عليهم برجب، فعيَّرهم الكفارُ باستحلاله فنزل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} المحرَّم {قِتَالٍ فِيهِ} بدلُ اشتمال {قُلْ} لهم {قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} عظيمٌ وزرًا، مبتدأٌ وخبرٌ {وَصَدٌّ} مبتدأٌ: منعٌ للناس {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} دينِه {وَكُفْرٌ بِهِ} بالله {وَصدٌّ عن الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي: مكة {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} وهم النبيُّ والمؤمنون، وخبرُ المبتدأ {أَكْبَرُ} أَعظمُ وزرًا {عِنْدَ اللَّهِ} من القتال فيه {وَالْفِتْنَةُ} الشركُ منكم {أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} لكم فيه {وَلَا يَزَالُونَ} أي: الكفار {يُقَاتِلُونَكُمْ} أَيُّها المؤمنون {حَتَّى} كي {يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ} إلى الكفر {إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ} بَطَلَتْ {أَعْمَالُهُمْ} الصالحةُ {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} فلا اعتدادَ بها ولا ثواب عليها، والتقييد بالموت عليه يُفيدُ أَنه لو رجع إلى الإسلام لم يبطلْ عملُه، فيُثاب عليه ولا يعيده؛ كالحجِّ مثلًا، وعليه الشافعي (١) {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

وقولُ المؤلِّف: (وأَرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَوَّل سراياه … ) إلى آخره: يُبيِّنُ بذلك سببَ نزول هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ}.


(١) ينظر: «نهاية المطلب» (٤/ ١٤٣)، و «المجموع شرح المهذب» (٣/ ٦ - ٧)، و (٧/ ١٤).

<<  <   >  >>