وقولُه:(بدل اشتمال): يريدُ: أَنَّ قتالَ بدلٌ من الشهر؛ فالتقدير: يسألونك عن الشهر الحرام عن قِتال فيه.
وقولُه:(منعٌ للناس): يُبيِّنُ أَنَّ الصدَّ من الفعل المتعدي «صده، يصده»؛ فالمعنى: أَي وصدُّهم الناس عن سبيل الله؛ أي: عن دينه. وقولُه:({وَ} صدٌّ عن): يُبيِّنُ أَنَّ المسجدَ معطوفٌ على سبيل؛ فالمعنى: وصدٌّ عن المسجد الحرام. وقولُه:(وخبر المبتدأ): يريد بالمبتدأ: {وَصَدٌّ} وما عطف عليه، فخبرُ ذلك المبتدأ قوله:{أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ}.
وقولُه:(أعظم وزرًا): أي: أعظم إثمًا.
وقولُه:(من القتال فيه): يعني: هذه المذكورات -الصد وما بعده- أَعظمُ إثمًا من القتال في الشهر الحرام.
وقولُه:(فلا اعتداد بها … ) إلى آخره: يريد: أَنَّ أَعمالَ المرتد الصالحة باطلةٌ في الدنيا والآخرة، فلا تصحُّ، ولا يقبلُها اللهُ منه، ولا يُثابُ عليها إِلَّا أَنْ يتوب من رِدَّته توبةً نصوحًا قبل الموت.
وأَهمُّ ما دلَّتْ عليه الآيتان من الأحكام مسألتان:
الأولى: حكمُ الجهادِ في سبيل الله، وقد دلَّت الآيةُ الأولى على فرضه، وذلك في قوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}، وقتال الكفار يكون على وجهين (١):
أحدهما: ما يكون ابتداء من المسلمين، وهو ما يسميه بعضهم بجهاد الطلب، وقد دلت على ذلك آيات من القرآن؛ كقوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}[التوبة: ٣٦]، وقوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}[التوبة: ١٢٣]، وقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
(١) ينظر: «حاشية ابن عابدين» (٤/ ١٢٢ - ١٢٣)، و «الشرح الصغير بحاشية الصاوي» (١/ ٢٦٧ - ٢٧٤)، و «المغني» (١٣/ ٦ - ٨)، و «الإنجاد في أبواب الجهاد» لابن المناصف القرطبي (ص ٧ - ٥٠)، و «الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لابن تيمية» (ص ٤٤٦ - ٤٤٧)، و «الفروسية» (١/ ١٢٣ - ١٢٤).