للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا}؛ أَي: طاقتَها، وهو ما يدخل تحت القدرة وتتَّسعُ له؛ كما قال في سورة الطلاق: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)} [الطلاق: ٧].

ثم نهى تعالى أَنَّ تُضارَّ والدةٌ بولدها؛ كامتناعها عن إِرضاعه أَوْ حضانته مُضارَّةً لوالده، أَوْ يُضارَّ المولود له -وهو الأَب- بولده؛ كمنعِ والدتِه من إِرضاعه مُضارَّةً لها، أَوْ انتزاعِه منها.

و {تُضَارَّ}: فعلٌ مُضعَّفٌ، يحتمل أَنْ يكون مسندًا للفاعل أو نائب فاعل، وعند فكِّ الإدغام؛ إذا كُسرت العينُ فالفعلُ مُسند للفاعل؛ فالتقدير: لا تضارِر والدةٌ بولدها، وإن فُتحت العينُ كان مُسندًا لنائب الفاعل، والتقدير: لا تضارَر.

وقوله: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}: أَي: ولا يُضارَّ مولودٌ له بولده، ونهيُ الوالدةِ والمولودِ له عن المضارَّة يدلُّ أَيضًا على أَنَّ المرادَ بالوالدات: المطلَّقات؛ لأَنَّ المضارَّةَ أَكثرُ ما تنشأُ مع الفُرقة، فلِذا جاء النصُّ بالنهي عنها، وثَمَّ دليلٌ ثالثٌ؛ وهو أَنَّ هذه الآيةَ جاءت في سياق أَحكامِ المطلقاتِ، كما جاء قولُه تعالى في سورة الطلاق: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} أَي: المطلقات، {فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ … } الآية [الطلاق: ٦]، ذكر هذه الوجوهَ الطاهرُ ابنُ عاشور (١)، وهو ما جزم به الإمامُ ابنُ جرير في فاتحة كلامه على هذه الآية؛ إذ قال: «يعني تعالى ذكره بذلك: والنساء اللواتي بِنَّ من أَزواجهنَّ ولهنَّ أَولادٌ قد ولدنهم من أَزواجهنَّ قبل بينونتهنَّ منهم بطلاقٍ، أَوْ ولدنهم منهم بعد فراقهم إِيَّاهنَّ … » إلى آخره، كما اختار رحمه الله أَنَّ قوله تعالى: {يُرْضِعْنَ} ليس أَمرًا يدلُّ على وجوب إِرضاعهم؛ بل لبيان أَنَّ الوالداتِ أَحقُّ بإِرضاع الأَولاد من غيرهنَّ،


(١) ينظر: «التحرير والتنوير» (٢/ ٤٢٩ - ٤٣٠).

<<  <   >  >>