للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال رحمه الله في الآية: «يعني بذلك: أَنهنَّ أَحقُّ برضاعهم من غيرهنَّ، وليس ذلك بإيجابٍ من الله تعالى ذِكره عليهنَّ رضاعهم … » إلى آخر كلامه» (١).

وقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}: عطفٌ على قوله: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وجملة {لَا تُكَلَّفُ} و {لَا تُضَارَّ} معترضتان، وقد كَثُرت أَقوالُ المفسِّرين في المراد بـ {الْوَارِثِ} في هذه الآية، وقد استوفاها ابنُ جريرٍ ورواها بأَسانيده (٢)، ولخَّصها ابنُ الجوزي فقال: «قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ} فيه أَربعةُ أَقوال: أَحدُها: أَنَّه وارثُ المولود»، وذكر مَنْ قال به، ثم قال: «واختلف أَربابُ هذا القول، فقال بعضُهم: هو وارثُ المولودِ من عصبته، كائنًا مَنْ كان»، وذكر مَنْ قال به من السَّلف، ثم قال: «وقال بعضُهم: هو وارثُ المولود على الإطلاق من الرجال والنساء:، قال: «وقال آخرون: هو مَنْ كان ذا رحمٍ محرمٍ من ورثة المولود». ثم ذَكَر القولَ الثاني، وهو أَنَّ المرادَ بالوارث هاهنا: وارثُ الوالد، قال: والثالث: أَنَّ المرادَ بالوارث: الباقي من والدي الولد بعد وفاةِ الآخر، قال: «والرابع: أَنَّه أُريدَ بالوارث: الصبيُّ نفسُه، فالنفقةُ عليه، فإن لم يملك شيئًا، فعلى عَصَبته» (٣).

قلت: والراجحُ من هذه الأَقوالِ القولان الأَوَّلان؛ أَحدهما: العَصَبةُ من ورثةِ المولود، والثاني: أَنَّ المرادَ: ورثةُ المولود مُطلقًا من الرجال والنساء؛ لعموم الوارث في الآية، وأَمَّا تخصيصُ العَصَبةِ فلأَنَّهم هم الذين يعقلون عنه (٤)، وهذه الآيةُ أَصلٌ في وجوب نفقةِ القريب على قريبه (٥).


(١) ينظر: «جامع البيان» للطبري (٤/ ١٩٩).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٢٢١ - ٢٢٧).
(٣) «زاد المسير» (١/ ٢٠٧ - ٢٠٨).
(٤) يعقلون: من العقل وهي الدية، وعقل عنه: أدى جنايته، وذلك إذا لزمته دية فأعطاها عنه. ينظر: «لسان العرب» (١١/ ٤٦٠).
(٥) ينظر: «تفسير ابن كثير» (١/ ٦٣٥)، و «تفسير السعدي» (١/ ١٧٥)، وهو قولٌ للأحناف والحنابلة. للاستزادة ينظر: «البحر الرائق» لابن نجيم (٤/ ٢٢٨)، و «كشاف القناع» (١٣/ ١٥٣) وما بعدها، و «المغني» (١١/ ٣٧٤) وما بعدها.

<<  <   >  >>