للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {مِثْلُ ذَلِكَ}: فيه ثلاثةُ أَقوال:

أَحدُها: أَنَّ على الوارثِ مثل ما على الأَب من أُجرة الإرضاع.

الثاني: أَنَّ على الوارث مثل ما على المولود له من تحريم الضرار.

الثالث: أَنَّه شاملٌ للأمرين.

والذي يدلُّ عليه سياقُ الآية: القولُ الأَوَّلُ (١).

وقوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}: المعنى: إِنْ أَراد -أَي: الأب والأم- فِصالَ الطفلِ -أَي: فِطامَه- عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فيما فيه مصلحةُ الطفل؛ {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أَي: لا حرجَ ولا إِثمَ عليهما في فِطام الطفلِ قبل تَمام الحولين، فدلَّ أَوَّلُ الآيةِ وآخرُها أَنَّ مَردَّ إِتمام الرضاعة بإرضاع الطفلِ مدَّةَ حولين كاملين، أَوْ فِطامه قبل ذلك راجعٌ إلى تراضي الأَبوين واتفاقهما.

وقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ}: الخطابُ للآباء؛ أي: وإن أَردتم أَنْ تطلبوا مراضعَ لأَولادكم إن تعذَّرَ أَنْ تُرضعه الأَمُّ لمرضٍ أَوْ امتناعٍ من الإرضاع أَوْ طلبِها أَكثر من أُجرةِ المثلِ؛ فلا جُناحَ عليكم في ذلك إذا سلَّمتم للمرضع أَجرَها الذي آتيتم عند عقد الإجارةِ، ومعنى {آتَيْتُم}: أَعطيتُم والتزمتُم به عند عقد الإجارة، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أي: الأُمَّهاتُ المطلَّقاتُ {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ}؛ أَي: دون مطلٍ ولا نقصٍ، {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (٦)} [الطلاق: ٦]؛ أَي: مُرضِعٌ غير أَمِّ الطفل.


(١) وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وجماعة، واختاره ابن قتيبة، ونسبه ابن كثير للجمهور. ينظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ٨٩)، و «تفسير الطبري» (٤/ ٢٢٧ - ٢٣٥)، و «زاد المسير» (١/ ٢٠٨)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٦٣٥).

<<  <   >  >>