هذه الآيةُ ثابتةُ الحكمِ، لم يُنسخْ منها شيءٌ»، وروى ذلك بإسناده عن مجاهد أنه قال في قوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ … } الآية: كانت هذه للمعتدة تعتدُّ عند أَهل زوجها واجبًا ذلك عليها، فأنزل الله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم … } الآية، قال: جعل اللهُ لهنَّ تمام السنة سبعةَ أَشهرٍ وعشرين ليلةٍ وصيَّة، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت»، فتضمَّن قولُ مجاهد أَنَّ حكمَ الآية الأُولى واجبٌ على المرأة؛ وهو الاعتدادُ بأَربعة أَشهر وعشرٍ، وأَمَّا حُكمُ الآيةِ الثانية وهو الاعتدادُ تمامَ الحولِ فالمرأةُ فيه مخيَّرةٌ؛ لقوله:{فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}، فجعل مجاهدٌ الآيةَ الثانيةَ هي الأخيرةُ نزولًا، وحُكمها باقٍ لم يُنسخ، وهذا خلافُ قولِ الجمهور؛ وهو أَنَّ الآيةَ الأُولى هي الناسخةُ لحكم الآية الثانية، كما تقدَّم حكايةُ ابن جرير لأَقوالهم، ثم روى بإسناده إلى عطاء (١) عن ابن عباس؛ قال:«نَسَختْ هذه الآيةُ ـ قلت: يريد الآية الثانية ـ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِه ـ يريد: حُكمَ الآيةِ الأُولى ـ تعتدُّ حيث شاءت ـ يريد: حكمَ الآية الثانية وهو قولُ اللَّهِ: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}»، ثم روى عن عطاء قريبًا من معنى قول ابن عباس ثم رجَّح قولَ الجمهور؛ وهو أَنَّ الآيةَ الثانيةَ منسوخةٌ بالآية الأولى وبآية الميراث؛ قال رحمه الله: «وأَولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أَنْ يُقال: إِنَّ اللهَ -تعالى ذكره- كان جعل لأَزواج مَنْ مات من الرجال بعدَ مَوتهم سُكنى حولٍ في منزله، ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السَّنة، ووجبَ على ورثة الميت أَنْ لا يُخرجوهنَّ قبل تمام الحولِ من المسكن الذي يسكنه، وإن هنَّ تركنَ حقهنَّ من ذلك وخرجنَ؛ لم تكن ورثةُ الميت من خروجهنَّ في حرجٍ، ثم إِنَّ اللهَ -تعالى ذكره- نسخَ النفقةَ
(١) عطاء بن أبي رباح أسلم المكي، أبو محمد، كان ثقة فقيهًا عالمًا بالقرآن ومعانيه، توفي سنة (١١٤ هـ)، وقيل: بعد ذلك. «السير» (٥/ ٧٨)، و «طبقات المفسرين» للأدنه وي (ص ١٤).