وبعد القول في معنى الآيةِ وحُكمِها؛ ذَكر وجهَ النَّصب في قوله:{مَّتَاعًا}، وقولِه:{غَيْرَ إِخْرَاجٍ}، بأَنَّ {مَّتَاعًا} نُصب بمضمون الجملة قبله، فهو مصدرٌ مؤكدٌ، و {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} نُصب على أَنه صفة لـ «متاع»؛ قال رحمه الله:«وأَمَّا قولُه: {مَّتَاعًا} فإِنَّ معناه: جعل ذلك لهنَّ متاعًا؛ أَي: الوصية التي كتبها اللهُ لهنَّ. وإنما نصب «المتاع»؛ لأَنَّ في قوله:{وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم} معنى متعهنَّ اللهُ، فقيل:{مَّتَاعًا} مصدرٌ من معناه، لا من لفظه.
وقوله:{غَيْرَ إِخْرَاجٍ}: فإِنَّ معناه أَنَّ اللهَ -تعالى ذكره- جعل ما جعل لهنَّ من الوصية متاعًا منه لهنَّ إلى الحول، لا إِخراجًا من مسكن زوجِها؛ يعني: لا إِخراجَ فيه منه حتى ينقضي الحول، فنصب {غَيْرَ} على النعت للمتاع»، ثم ذكر معنى آخر الآية من قوله:{فَإِنْ خَرَجْنَ}، فذكر ما يدلُّ عليه قوله:{فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}، وهو أَنَّ اعتدادهنَّ في بيوت أَزواجهنَّ وإِحدادهنَّ حولًا ليس فرضًا عليهنَّ، فإِن خرجنَ فلا جُناحَ عليهنَّ، ولا على ورثة الميت، {فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَّعْرُوفٍ} من النكاح وترك الإحداد، وذكر ما يدلُّ عليه قوله: {وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم (٢٤٠)}، وهو تهديدُ مَنْ خالف من الرجال والنساء أَحكامَ الله المتقدمة في الآيات بترك ما فَرضَ اللهُ من الأَحكام، وأَداء الحقوق وترك المحافظةِ على الصلوات، وأَنَّ اللهَ حكيمٌ في جميع أَحكامه وأَقضيته بين عباده، وكلامُه رحمه الله في مدلول هذين الاسمين «العزيز، الحكيم» كلامٌ نفيسٌ جديرٌ بتدبُّره وفهمِ معناه (١).
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} فليُوصوا {وَصِيَّةً} وفي قراءة بالرفع؛ أَي: عليهم {لِأَزْوَاجِهِمْ} ويُعطوهنَّ {مَتَاعًا} ما يتمتعنَّ به من النفقة والكسوة {إِلَى} تمام {الْحَوْلِ} من موتهم الواجب عليهنَّ