للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه: (تقصدوا): تفسيرٌ لـ {تَيَمَّمُوا}، وأَصلُه تتيمموا، حُذفت منه إحدى التاءين، ويُقال في الماضي: يمَّم كذا، وتيمَّم؛ أي: قصدَ ومنه قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]؛ أي: اقصدوا.

وقولُه: (الرديء): تفسيرٌ للخبيث، وهذا في مقابل الطيبات، فأَمرَ بالإنفاق من الطيبات ونهى عن قصد الإِنفاقِ من الخبيث.

وذُكر بسبب نزولِ هذه الآيةِ أَنَّ بعضَ الصحابةِ لَمَّا أَمر اللهُ بالإنفاق علَّقوا قنوان في المسجد للفقراء، فعلَّقَ بعضُهم قنو حشف (١) فأَنزل الله هذه الآية (٢)، وقيل: الخبيثُ هو الحرامُ (٣)، والطيِّبُ هو الحلالُ، وهذا معنىً صحيحٌ، ولكنْ تفسيرُ الطيِّبِ والخبيثِ في الآية بذلك لا يُناسبُ السِّياقَ (٤) إذا عُلم أَنَّ الأصلَ في مال المسلمِ أَنَّه من الحلال.

وسببُ نزولِ الآية يُرجِّحُ القولَ الأَوَّل وهو قولُ الجمهور.

وقولُه: (من المذكور): يُبيِّنُ أَنَّ الضميرَ في {مِنْهُ} يعود على الخبيث المذكور قبل. وقولُه: (حالٌ من ضمير «تيمموا»): معناه: أَنَّ جملةَ {تُنْفِقُونَ} في موضع نصبٍ على الحال من الواو في قوله: {وَلَا تَيَمَّمُوا}؛ فالتقدير: ولا تيمَّموا الخبيثَ مُنفقين منه؛ أي: قاصدين الإنفاقَ منه؛ أَي: من الخبيث خاصَّة كما يدلُّ عليه تقديمُ الجار والمجرور.


(١) القنو: العذق بما فيه من الرطب، وجمعه: أقناء. والحشف: اليابس الفاسد من التمر، وقيل: الضعيف الذي لا نوى له كالشيص. ينظر: «النهاية» (٤/ ١١٤)، و (١/ ٣٩١).
(٢) ينظر: «أسباب النزول» (ص ٨٨)، و «العجاب في بيان الأسباب» (١/ ٦٢٣).
(٣) في الآية قولان؛ أحدهما: أنهم كانوا يأتون بالحشف فيدخلونه في تمر الصدقة. وهو قول عليٍّ، والبراء بن عازب، وجمهور المفسرين، ونقل الطبري اتفاق أهل التأويل عليه. والثاني: أن الخبيث هو الحرام، وضعّف ابن عطية هذا القول من جهة نسق الآية ومعناه. ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٦٩٨ - ٧٠٣)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٧٢)، و «زاد المسير» (١/ ٢٤١)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٦٩٧).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٧٢).

<<  <   >  >>