أولها: أنه طويل الذيل، كثير التفاريع، متشعب المسالك.
ثانيها: أنه تناول مسائل دقيقة، كانت مثارا لخلاف الباحثين من الأصوليين، الأمر الذي يدعو إلى اليقظة والتدقيق، وإلى حسن الاختيار مع الإنصاف والتوفيق.
ثالثها: أن أعداء الإسلام من ملاحدة ومبشرين ومستشرقين قد اتخذوا النسخ في الشريعة الإسلامية أسلحة مسمومة، طعنوا بها في صدر الدين الحنيف. ونالوا من قدسية القرآن الكريم. ولقد أحكموا شراك شبهاتهم واجتهدوا في ترويج مطاعنهم حتى سحروا عقول بعض المنتسبين إلى العلم والدين من المسلمين فجحدوا وقوع النسخ وهو واقع وأمعنوا في هذا الجحود الذي ركبوا له أخشن المراكب من تمحّلات ساقطة وتأويلات غير سائغة.
رابعها: أن الإلمام بالناسخ والمنسوخ يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله في تربيته للخلق وسياسته للبشر، وابتلائه للناس مما يدل دلالة واضحة على أن نفس محمد النبي الأمي لا يمكن أن تكون المصدر لمثل هذا القرآن، ولا المنبع لمثل هذا التشريع. وإنما هو تنزيل من حكيم حميد.
خامسها: أن معرفة الناسخ والمنسوخ ركن عظيم في فهم الإسلام وفي الاهتداء إلى صحيح الأحكام، خصوصا إذا ما وجدت أدلة متعارضة لا يندفع التناقض بينها إلا بمعرفة سابقها من لاحقها، وناسخها من منسوخها. ولهذا كان سلفنا الصالح يعنون بهذه الناحية ويحذقونها، ويلفتون أنظار الناس إليها، ويحملونها عليها. حتى لقد جاء في الأثر أن ابن عباس رضي الله عنهما فسر الحكمة في قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [سورة البقرة آية: ٢٦٩]، بمعرفة ناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه.