تفسير الصحابة والتابعين، وتفسير الذين اعتمدوا على أقوال الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة، وتفسير أهل الرأي الموفق الذين جمعوا بين المأثور الصحيح مع حذف أسانيده وبين آرائهم العلمية المعتدلة، كل هذه الثلاثة من التفسير المحمود، ويغلب هذا النوع الثالث في عصرنا الحاضر؛ إذ تجمع التفاسير لدينا بين معان مأثورة، ومعان توسعوا في ذكرها عن طريق الرأي والاجتهاد المعتمد على العلم والاعتدال.
وهناك نوع رابع، هو تفسير أهل الأهواء والبدع وحكمه أنه مذموم قالوا: وأشهر الغارقين في هذا الضلال: الرماني، والجبائي، والقاضي عبد الجبار، ثم اختلفوا في الزمخشري، فمنهم من عدّ تفسيره من هذا النوع لما فيه من مناحي الاعتزال، ومنهم من قال: إن فيه فوائد مهمة، يريد بذلك أن يلتمس له المعاذير وأن يغلب جانب الفوائد التي فيه على جانب الاعتزال الذي يحتويه، ولكن عدالة الأحكام تقضي بأن نسوي بين جميع التفاسير وأن نحاكمها إلى مبدأ واحد، فما وافق منها وجه الصواب، وكان بمنأى عن البدع والأهواء؛ فهو محمود، وما تورط منها في الخطأ وتخبط في الهوى والبدعة؛ فهو مذموم، لا فرق في ذلك بين الزمخشري وغير الزمخشري، ولا بين معتزلي وغير معتزلي.
[ميزان المدح والذم:]
ثم إن هناك ميزانا لما يحمد من التفسير وما يذم، وهو الفيصل الذي يجب أن نحكمه ونزن كل تفسير به، فما رجح في هذا الميزان قلبناه وحمدناه، وما طاش رفضناه وذممناه، والمدح والذم درجات بعضها فوق بعض، على حسب استيفاء التفسير لوجوه المدح والذم أو نقصها قليلا أو كثيرا، وسنضع هذا الميزان بين يديك تحت عنوان «منهج المفسرين بالرأي».
غير أنا نسترعي نظرك هنا إلى كلمة أهل البدع والأهواء، ونريد أن تكون موفّقا في حكمك على أية طائفة أو أي شخص ببدعة أو هوى، وإلا خيف عليك أن تكون أنت صاحب البدعة والهوى في حكمك: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ [سورة ص آية: ٢٦].
[غلطة التعصب للرأي:]
واعلم أن هناك أفرادا- بل أقواما- تعصبوا لآرائهم ومذاهبهم، وزعموا أن من خالف هذه الآراء والمذاهب كان مبتدعا متبعا لهواه، ولو كان متأولا تأويلا سائغا يتسع