[حقيقة الوحي وأنواعه وكيفياته]
أما الوحي فمعناه في لسان الشرع: أن يعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرية خفية، غير معتادة للبشر، ويكون على أنواع شتى:
- منه ما يكون مكالمة بين العبد وربه، كما كلم الله موسى تكليما.
- ومنه ما يكون إلهاما يقذفه الله في قلب مصطفاه، على وجه من العلم الضروري لا يستطيع له دفعا ولا يجد فيه شكّا.
- ومنه ما يكون مناما صادقا يجيء في تحققه ووقوعه كما يجيء فلق الصبح في تبلجه وسطوعه.
- ومنه ما يكون بوساطة ملك كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثمّ أمين (وهو جبريل عليه السّلام). وذلك النوع هو أشهر الأنواع وأكثرها.
ووحي القرآن كله من هذا القبيل، وهو المصطلح عليه بالوحي الجلي، قال الله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [سورة الشعراء آية: ١٩٣ - ١٩٥].
ثم إن ملك الوحي يهبط هو الآخر على كيفيات شتى:
فتارة يظهر للرسول في صورته الحقيقية الملكية، وتارة يظهر في صورة إنسان يراه الحاضرون ويستمعون إليه، وتارة يهبط على الرسول خفية فلا يرى، ولكن يظهر أثر التغير والانفعال على صاحب الرسالة صلّى الله عليه وسلم.
والأدلة الشرعية على ما ذكرنا كثيرة في الكتاب والسنة منها قوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [سورة النجم آية: ٣، ٤].
ومنها الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:
أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة (صوت) الجرس، وهو أشده عليّ فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا. اه ملخصا من المناهل للزرقاني.