والقائلون بجواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية، اعتمادا على أن القرآن ظني الدلالة، حجتهم باطلة؛ لأن القرآن إن لم يكن قطعي الدلالة فهو قطعي الثبوت، والسنة الآحادية ظنية الدلالة والثبوت معا، فهي أضعف منه فكيف ترفعه؟.
[٢ - مقام الوقوع:]
ما أسلفناه بين يديك كان في الجواز. أما الوقوع؛ فقد اختلف المجوزون فيه: منهم من أثبته، ومنهم من نفاه وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها وهاك وجهة كل من الفريقين لتعرف أن الحق مع النافين.
استدل المثبتون على الوقوع بأدلة أربعة:
الدليل الأول: أن آية الجلد وهي قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [سورة النور آية: ٢] تشمل المحصنين وغيرهم من الزناة. ثم جاءت السنة فنسخت عمومها بالنسبة إلى المحصنين، وحكمت بأن جزاءهم الرجم.
وقد ناقش النافون هذا الدليل بأمرين: أحدهما: أن الذي ذكروه تخصيص لا نسخ.
والآخر: أن آية (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) هي المخرجة لصور التخصيص. وإن جاءت السنة موافقة لها وقد سبق الكلام على آية (الشيخ والشيخة) في عداد ما نسخت تلاوته وبقي حكمه، فلا تغفل عنه.
الدليل الثاني: أن قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [سورة البقرة آية: ١٨٠]، منسوخ بقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث».
وقد ناقشه النافون بأمرين:
أولهما: أن الحديث المذكور خبر آحاد، وقد تقرر أن الحق عدم جواز نسخ القرآن بخبر الآحاد.
ثانيهما: أن الحديث بتمامه يفيد أن الناسخ هو آيات المواريث، لا هذا الحديث، وإليك النص الكامل للحديث المذكور: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث».
ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود في صحيحه ونصه: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ: كانت الوصية كذلك حتى نسختها آية المواريث.
الدليل الثالث: أن قوله سبحانه: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَ