المعنى المقصود، بل قد ترى الواحد من الصحابة فمن بعدهم يأتي في بعض الحالات بلفظ في رواية، وفي أخرى بغير ذلك اللفظ مما يؤدي معناه، وهذا أمر لا شك فيه.
المذهب الثالث: التفصيل بين الأوامر والنواهي وبين الأخبار، فتجوز الرواية بالمعنى في الأول دون الثاني. قال الماوردي والروياني: أما الأوامر والنواهي فيجوز روايتهما بالمعنى كقوله: «لا تبيعوا الذهب بالذهب» وروي أنه نهى عن بيع الذهب بالذهب، وقوله صلّى الله عليه وسلم- أيضا-: «اقتلوا الأسودين في الصلاة» وروي: أنه أمر بقتل الأسودين في الصلاة. قال: هذا جائز بلا خلاف لأن «افعل» أمر، «ولا تفعل» نهي، فيتخير الراوي بينهما، وإن كان اللفظ في المعنى محتملا مثل:«لا طلاق في إغلاق» وجب نقله بلفظه ولا يعبر عنه بغيره؛ لأن كلمة «إغلاق» تحتمل أكثر من معنى.
الحال الثالث: أن يحذف الراوي بعض لفظ الخبر، فينبغي أن ينظر فإن كان المحذوف متعلقا بالمحذوف منه تعلقا لفظيّا أو معنويّا لم يجز بالاتفاق، حكاه الصفي الهندي وابن الأنباري، فالتعلق اللفظي كالتقييد بالاستثناء والشرط والغاية والصفة، والتعلق المعنوي كالخاص بالنسبة إلى العام، والمقيد بالنسبة إلى المطلق، والمبين بالنسبة إلى المجمل، والناسخ بالنسبة إلى المنسوخ.
الحال الرابع: أن يزيد الراوي في روايته للخبر على ما سمعه من النبي صلّى الله عليه وسلم، فإن كان ما زاده يتضمن بيان سبب الحديث أو تفسير معناه فلا بأس بذلك، لكن بشرط أن يبين ما زاده حتى يفهم السامع أنه من كلام الراوي.
قال الماوردي والروياني: يجوز من الصحابي زيادة بيان السبب لكونه مشاهدا للحال، ولا يجوز من التابعي، وأما تفسير المعنى فيجوز منهما.
ولا وجه للاقتصار على الصحابي والتابعي في تفسير معنى الحديث، فذلك جائز لكل من يعرف معناه معرفة صحيحة على مقتضى اللغة العربية بشرط الفصل بين الخبر المروي وبين التفسير الواقع منه بما يفهمه السامع. اه «باختصار وتصرف من إرشاد الفحول للشوكاني».
[إيضاح مهم]
إن ما ذكره الإمام الشوكاني فيما سبق، عبارة عن خلاصة وافية متعلقة بالأحاديث التي تستنبط الأدلة منها، سواء كانت أحاديث متواترة أو أحاديث آحاد «مستفيضة، أو مشهورة، أو عزيزة، أو غريبة»، وسواء كانت الأحاديث الاحادية صحيحة أو حسنة؛ لأن الأحكام الشرعية تؤخذ من الحديث الحسن، كما تؤخذ من الحديث الصحيح، وإليك تعريفا خاصا بكل منهما على طريقة المؤلفين في علوم الحديث.