والأولى عدم القبول، وعمل أهل المدينة لا تقوم به حجة على ما سيأتي. على أنا نمنع ثبوت هذا الإجماع الفعلي عنهم.
الشرط الثاني- الإسلام:
فلا تقبل رواية الكافر من يهودي أو نصراني أو غيرهما إجماعا، قال الرازي في المحصول: أجمعت الأمة على أنه لا تقبل روايته سواء علم من دينه الاحتراز عن الكذب أو لم يعلم. قال: والمخالف من أهل القبلة إذا كفرناه كالمجسم وغيره هل تقبل روايته أم لا؟ الحق أنه إن كان مذهبه جواز الكذب لا تقبل روايته، وإلا قبلناها وهو قول أبي الحسين البصري.
وقال القاضي أبو بكر، والقاضي عبد الجبار: لا تقبل روايتهم.
والحاصل: أنه إن علم من مذهب المبتدع جواز الكذب مطلقا لم تقبل روايته قطعا، وإن علم من مذهبه جوازه في أمر خاص كالكذب فيما يتعلق بنصرة مذهبه، أو الكذب فيما هو ترغيب في طاعة أو ترهيب عن معصية، فقال الجمهور ومنهم القاضيان أبو بكر وعبد الجبار، والغزالي والآمدي: لا يقبل قياسا على الفاسق بل هو أولى.
وقال أبو الحسين البصري: يقبل، وهو رأي الجويني وأتباعه. والحق عدم القبول مطلقا في الأول، وعدم قبوله في ذلك الأمر الخاص في الثاني، ولا فرق في هذا بين المبتدع الذي يكفّر ببدعته، وبين المبتدع الذي لا يكفّر ببدعته.
وأما إذا كان ذلك المبتدع لا يستجيز الكذب؛ فاختلفوا فيه على أقوال:
القول الأول: رد روايته مطلقا؛ لأنه قد فسق ببدعته، فهو كالفاسق بفعل المعصية، وبه قال القاضي والأستاذ أبو منصور والشيخ أبو إسحاق الشيرازي.
القول الثاني: أنها تقبل، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبي يوسف.
القول الثالث: أنه إذا كان داعية إلى بدعته لم يقبل، وإلا قبل، وحكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص عن مالك وبه جزم سليم، قال القاضي عياض: وهذا يحتمل أنه إذا لم يدع يقبل ويحتمل أنه لا يقبل مطلقا. اه.
والحق أنه لا يقبل فيما يدعو به إلى بدعته ويقويها لا في غير ذلك، قال الخطيب:
وهو مذهب أحمد، ونسبه ابن الصلاح إلى الأكثرين، قال: وهو أعدل المذاهب وأولاها، وفي الصحيحين كثير من أحاديث المبتدعة غير الدعاة احتجاجا واستشهادا كعمران بن حطان، وداود بن الحصين وغيرهما، ونقل أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات الإجماع على ذلك.