للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن وجدوا منه خطأ كثيرا وحفظا غير جيد: ضعفوا روايته، وإن كان لا مطعن عليه في شخصه ولا في صدقه، خشية أن تكون روايته مما خانه فيه الحفظ.

وقد حرروا القواعد التي وضعوها لقبول الحديث، وهي قواعد هذا الفن، وحققوها بأقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطا لدينهم. فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد وأعلاها وأدقها.

وقلدهم فيها العلماء في أكثر الفنون النقلية، فقلدهم علماء اللغة، وعلماء الأدب، وعلماء التاريخ، وغيرهم، فاجتهدوا في رواية كل نقل في علومهم بإسناده، كما تراه في كتب المتقدمين السابقين، وطبقوا قواعد هذا العلم عند إرادة التوثق من صحة النقل في أي شيء يرجع فيه إلى النقل.

فهذا العلم في الحقيقة أساس لكل العلوم النقلية، وهو جدير بما وصفه به صديقي وأخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة من أنه (منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار) اه «١».

[المصنفون في هذا العلم]

قال ابن حجر العسقلاني: وأول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي (الحسن بن عبد الرحمن الذي (عاش إلى قريب سنة ٣٦٠ هـ) في كتابه «المحدث الفاضل»، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري المتوفى سنة (٤٠٥ هـ) لكنه لم يهذب ولم يرتب.

وتلاه أبو نعيم الأصبهاني صاحب «حلية الأولياء» المتوفى سنة (٤٣٠ هـ). وجاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي: أحمد بن علي بن ثابت صاحب تاريخ بغداد وغيره، المتوفي سنة (٤٦٣ هـ) فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه «الكفاية» وفي آدابها كتابا سماه «الجامع لآداب الشيخ والسامع». وقلّ فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.

ثم جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي المتوفى سنة (٥٤٤ هـ) كتابا سماه «الإلماع» إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح بن عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق المتوفى سنة (٦٤٣ هـ)، فجمع لمّا تولى تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور «علوم الحديث» الشهير ب «مقدمة ابن الصلاح» فهذب فنونه


(١) باختصار من كلام الشيخ أحمد شاكر.

<<  <   >  >>