قال ابن السمعاني: واختلفوا- يعني القائلين بعدم وجوب العمل بخبر الواحد- في المانع من القبول، فقيل: منع منه العقل وينسب إلى ابن علية والأصم.
وقال القاشاني من أهل الظاهر، والشيعة: منع منه الشرع، فقالوا: إنه لا يفيد إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.
ويجاب عن هذا بأنه عام مخصص لما ثبت في الشريعة من العمل بأخبار الآحاد.
ثم اختلف الجمهور في طريق إثباته، فالأكثر منهم قالوا: يجب بدليل السمع.
وقال أحمد بن حنبل والقفال وابن شريح، وأبو الحسن البصري من المعتزلة، وأبو جعفر الطوسي من الإمامية، والصيرفي من الشافعية: إن الدليل العقلي دلّ على وجوب العمل به لا يحتاج الناس إلى معرفة بعض الأشياء من جهة الخبر الوارد.
وأما دليل السمع فقد استدلوا من الكتاب: بمثل قوله تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ [سورة الحجرات آية: ٦]، وبمثل قوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [سورة التوبة آية: ١٢٢].
ومن السنة: بمثل قصة أهل قباء لما أتاهم واحد فأخبرهم أن القبلة قد تحولت فتحولوا، وبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم.
وبمثل بعثه صلّى الله عليه وسلم لعماله واحدا بعد واحد. وكذلك بعثه بالفرد من الرسل يدعو الناس إلى الإسلام.
ومن الإجماع: بإجماع الصحابة والتابعين على الاستدلال بخبر الواحد، وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد ولو أنكره منكر لنقل إلينا وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح.
قال ابن دقيق العيد: ومن تتبع أخبار النبي صلّى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وجمهور الأمة ما عدا هذا الفرقة اليسيرة؛ علم ذلك قطعا. اه.
[القول الفصل]
وعلى الجملة: فلم يأت من خالف في العمل بخبر الواحد بشيء يصلح للتمسك به، ومن تتبع عمل الصحابة من الخلفاء وغيرهم، وعمل التابعين وتابعيهم بأخبار الآحاد؛ وجد ذلك في غاية الكثرة، بحيث لا يتسع له إلا مصنّف بسيط، وإذا وقع من بعضهم تردد في العمل به في بعض الأحوال، فذلك لأسباب خارجة عن كونه خبرا واحدا من ريبة في الصحة، أو تهمة للراوي، أو وجود معارض راجح أو نحو ذلك.