اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لا بد من اثنين؟ فمنهم من قال: لا يثبت ذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات، ومنهم من قال- وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره-: أنه يثبت بواحد؛ لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات، والله
أعلم.
وإذا اجتمع في شخص جرح وتعديل؛ فالجرح مقدم؛ لأن المعدّل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدّل. فإن كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل: التعديل أولى. والصحيح الذي عليه الجمهور أن الجرح أولى لما ذكرناه.
[رواية المجهول]
المجهول ههنا أقسام:
أحدها: المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا وروايته غير مقبولة عند الجماهير على مانبهنا عليه أولا.
الثاني: المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور.
فقد قال بعض أئمتنا:«المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنه».
فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول، وهو قول بعض الشافعيين، وبه قطع منهم الإمام سليم بن أيوب الرازي، قال: لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي.
قلت: ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم، والله أعلم.
الثالث: المجهول العين. وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين.
ومن روى عنه عدلان وعيّناه، فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة.
ذكر أبو بكر الخطيب البغدادي في أجوبة مسائل سئل عنها: أن المجهول عند أصحاب الحديث: كل من لم تعرفه العلماء، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل: عمرو ذي مر، وجبار الطائي، وسعيد بن ذي حدّان، لم يرو عنهم غير