ظاهرا للبداء، وتقريرا لكون النسخ تبديلا في حقنا، وبيانا محضا في حق صاحب الشرع.
[الفرق بين النسخ والتخصيص]
قد عرفنا النسخ بأنه: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي، وقد عرّفوا التخصيص بأنه: قصر العام على بعض أفراده، وبالنظر في هذين التعريفين نلاحظ أن هناك تشابها قويّا بين المعرفين، فالنسخ فيه ما يشبه تخصيص الحكم ببعض الأزمان، والتخصيص فيه ما يشبه رفع الحكم عن بعض الأفراد، ومن هذا التشابه وقع بعض العلماء في الاشتباه فمنهم من أنكر وقوع النسخ في الشريعة، زاعما أن كل ما نسميه نحن نسخا فهو تخصيص، ومنهم من أدخل صورا من التخصيص في باب النسخ، فزاد بسبب ذلك في عداد المنسوخات من غير موجب.
لهذا نقيم لك فروقا سبعة بين النسخ والتخصيص، تهديك في ظلمات هذا الاشتباه وتعصمك من أن تتورط فيما تورط فيه سواك:
أولها: أن العام بعد تخصيصه مجاز، لأن مدلوله وقتئذ بعض أفراده، مع أن لفظه موضوع للكل، والقرينة هي المخصص، وكل ما كان كذلك فهو مجاز، أما النص المنسوخ فما زال كما كان مستعملا فيما وضع له، غايته أن الناسخ دلّ على أن إرادة الله تعلقت أزلا باستمرار هذا الحكم إلى وقت معين، وإن كان النص المنسوخ متناولا جميع الأزمان، ويظهر ذلك جليّا فيما إذا قال الشارع مثلا: افعلوا كذا أبدا، ثم نسخه بعد زمن قصير، فإنه لا يعقل أن يكون مدلوله ذلك الزمن القصير دون غيره، بل هو مازال كما كان مستعملا في جميع الأزمان نصّا؛ بدليل قوله:«أبدا» غير أن العمل بهذا النص الشامل لجميع الأزمان لفظا قد أبطله الناسخ؛ لأن استمرار العمل بالنص مشروط بعدم ورود ناسخ ينسخه، أيّا كان ذلك النص وأيّا كان ناسخه.
فإن سأل سائل: ما حكمة تأبيد النص لفظا، بينما هو مؤقت في علم الله أزلا؟
أجبناه بأن حكمته ابتلاء الله لعباده: أيرضخون لحكمه مع تأبيده عليهم هذا التأبيد الظاهري أم لا؟ فإذا ماز الله الخبيث من الطيب، والمطمئن إلى حكمه من المتمرد عليه، جاء النسخ لحكمة أخرى من التخفيف ونحوه.
ثانيها: أن حكم ما خرج بالتخصيص لم يكن مرادا من العامّ أصلا، بخلاف ما خرج بالنسخ، فإنه كان مرادا من المنسوخ لفظا.
ثالثها: أن التخصيص لا يتأتى أن يأتي على الأمر لمأمور واحد، ولا على النهي لمنهي