وهذان النوعان لا خلاف في جوازهما عقلا ووقوعهما سمعا عند القائلين بالنسخ كافة.
ثالثها: النسخ إلى بدل أثقل من الحكم المنسوخ، وفي هذا النوع يدب الخلاف:
فجمهور العلماء يذهبون إلى جوازه عقلا وسمعا كالنوعين السابقين ويستدلون على هذا بأمثلة كثيرة تثبت الوقوع السمعي، وهو أدل دليل على الجواز العقلي كما علمت.
من تلك الأمثلة: أن الله تعالى نسخ إباحة الخمر بتحريمها، ومنها: أنه تعالى نسخ ما فرض من مسالمة الكفار المحاربين بما فرض من قتالهم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [سورة البقرة آية: ٢١٦].
ومنها: أن حد الزنا كان في فجر الإسلام لا يعدو التعنيف والحبس في البيوت، ثم نسخ ذلك بالجلد والنفي في حق البكر، وبالرجم في حق الثيب.
ومنها: أن الله تعالى فرض على المسلمين أولا صوم يوم عاشوراء، ثم نسخه بفرض شهر رمضان كله مع تخيير الصحيح المقيم بين صيامه والفدية، ثم نسخ سبحانه هذا التخيير بتعيين الصوم على هذا الصحيح المقيم إلزاما.
[النسخ في دورانه بين الكتاب والسنة]
النسخ في الشريعة الإسلامية قد يرد به القرآن، وقد ترد به السنة، والمنسوخ كذلك قد يرد به القرآن وقد ترد به السنة. فالأقسام أربعة:
[القسم الأول: نسخ القرآن بالقرآن:]
وقد أجمع القائلون بالنسخ من المسلمين على جوازه، ووقوعه.
أما جوازه: فلأن آيات القرآن متساوية في العلم بها وفي وجوب العمل بمقتضاها.
وأما وقوعه: فلما ذكرنا وما سنذكر من الآيات الناسخة والمنسوخة. وهذا القسم يتنوع إلى أنواع ثلاثة: نسخ التلاوة والحكم معا، ونسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم، وقد أشبعنا الكلام عليها فيما سبق.
[القسم الثاني: نسخ القرآن بالسنة:]
وقد اختلف العلماء في هذا القسم بين مجوّز ومانع، ثم اختلف المجوزون بين قائل بالوقوع وقائل بعدمه، وإذا يجري البحث في مقامين اثنين: مقام الجواز، ومقام الوقوع.