ابن دكين وعليّ بن عبد العزيز المكي وآخرون، في أخذ العوض على التحديث، وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه، غير أن في هذا من حيث العرف خرما للمروءة، والظن يساء بفاعله؛ إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه.
[الحديث المعلل]
وهو فنّ خفي على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفّاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل.
وإنما يهتدي إلى هذا الفن الجهابذة النقاد منهم، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجّه ومستقيمه، كما يميز الصيرفي البصير بصنعته بين الجياد والزيوف والدنانير والفلوس. فكما لا يتمارى هذا، كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلّى الله عليه وسلم التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس.
فمن الأحاديث المروية: ما عليه أنوار النبوة، ومنها: ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة.
وقد يكون التعليل مستفادا من الإسناد، وبسط أمثلة ذلك يطول جدّا، وإنما يظهر بالعمل.
ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجلّه وأفحله (كتاب العلل) لعلي بن المديني شيخ البخاري. وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص. وكذلك «كتاب العلل» لعبد الرحمن بن أبي حاتم وهو مرتب على أبواب الفقه، «وكتاب العلل» للخلّال. ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد.
وقد جمع أزمّة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجلّ الكتب، بل أجلّ ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده فرحمه الله وأكرم مثواه. اه من الباعث الحثيث.
وقد قال أحمد شاكر معلقا: والحديث المعلول: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن الظاهر سلامته منها.
والطريق إلى معرفة العلل: جمع طرق الحديث، والنظر في اختلاف رواته، وفي ضبطهم وإتقانهم، فيقع في نفس العالم العارف بهذا الشأن أن الحديث معلول، ويغلب على ظنه، فيحكم بعدم صحته أو يتردد فيتوقف فيه.
وربما تقصر عبارته عن إقامة الحجة على دعواه. قال عبد الرحمن بن مهدي: معرفة