وأملاه شيئا بعد شيء، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك ومقتصر، ومعارض له ومنتصر» اه كلام الحافظ باختصار.
فقد ظهر لك بشهادة الحافظ ابن حجر أن كتاب ابن الصلاح رحمه الله جمع شتات الكتب وعيونها، من كتب الخطيب وغيرها ممن تقدمه وتأخر.
ثم جاء الإمام ابن كثير الفقيه الحافظ المفسر فاختصرها في رسالة لطيفة سماها «الباعث الحثيث على معرفة علوم الحديث» بعبارة سهلة فصيحة، وجمل مفهومة مليحة، واستدرك على ابن الصلاح استدراكات مفيدة، يبدؤها بقوله «قلت» فسهّل على طالب الفن تناوله في رسالة وسط وخير الأمور أوساطها- لم يختصرها اختصارا مضغوطا مخلّا، ولا أطالها تطويلا منتشرا مشوشا، فكانت خطوة أولى ومرحلة ابتدائية، يدرسها الطالب، فيرتقي منها إلى دراسة أصلها وما بعده من كتب الأئمة، حتى ينتهي إلى التحقيق فيدلي بدلوه مع الدّلاء. اه كلام الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة باختصار.
وقد ألّف الشيخ أحمد شاكر شرحا على الباعث الحثيث جمع فيه أهم ما قاله العلماء في كل قضية احتاجت إلى زيادة في البحث أو ترجيح لرأي على آخر، أو ذكر لأسباب الاختلاف، أو إطناب لا بد منه ليتسع فهم طالب العلم، وليكون على بصيرة كافية في دراسته لعلوم الحديث بحيث لا يحتاج إلى غير هذا الكتاب إلا إذا أراد توسعا ذا تخصص، أو كان ممن لا يكتفي من العلم إلا بالإحاطة بكل ما قيل فيه على قدر طاقته. فجزى الله الجميع خير الجزاء ورحمهم رحمة واسعة.
[ألقاب المحدثين]
قال أحمد شاكر: واعلم أنه قد أطلق المحدثون ألقابا على العلماء بالحديث.
فأعلاها:«أمير المؤمنين في الحديث» وهذا لقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر، الذين هم أئمة هذا الشأن، والمرجع إليهم فيه، كشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والدارقطني، وفي المتأخرين ابن حجر العسقلاني، رضي الله عنهم جميعا.
ثم يليه:«الحافظ» وقد بيّن الحافظ المزي الحد الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يطلق عليه الحافظ فقال: أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم