إلى الآفاق، فوجه للعراق والشام ومصر بأمهات، فاتخذها قراء الأمصار معتمد اختياراتهم ولم يخالف أحد منهم مصحفه على النحو الذي بلغه، وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم على بعض وينقصها بعضهم فذلك لأن كلّا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه؛ إذ قد كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ ولم يكتبها في بعض إشعارا بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة.
قال ابن عطية: ثم إن عثمان أمر بما سواها من المصاحف أن تحرق، أو تخرق- تروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى «تدفن» - ورواية الحاء غير منقوطة أحسن.
وذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد عن سويد بن غفلة قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: يا معشر الناس: اتقوا الله وإياكم والغلق في عثمان وقولكم: حرّاق المصاحف، فو الله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم.
وعن عمر بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان.
قال أبو الحسن بن بطال: وفي أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى، وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام، وطرحها في ضياع من الأرض.
روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه: أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها بسم الله الرحمن الرحيم. وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة.
وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله تعالى، وقول من حرقها أولى بالصواب، وقد فعله عثمان؛ وقد قال القاضي أبو بكر لسان الأمة: جائز للإمام تحريق الصحف التي فيها القرآن، إذا أدّاه الاجتهاد إلى ذلك. اه ملخصا من مقدمة القرطبي.
ترتيب آيات القرآن وسوره
انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف، كان بتوقيف من النبي صلّى الله عليه وسلم عن الله تعالى، وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه. بل كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول صلّى الله عليه وسلم ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها. ثم يقرؤها النبي صلّى الله عليه وسلم على أصحابه، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معيّنا لهم السورة التي تكون فيها الآية، وموضع الآية من هذه السورة. وكان يتلوه عليهم مرارا وتكرارا في صلاته وعظاته. وكان يعارض به جبريل كل عام مرة، وعارضه به في العام