الشدائد. ولا ريب أن تلك الشدائد كانت تحدث في أوقات متعددة، فلا جرم كانت التسلية تحدث هي الأخرى في مرات متكافئة. فكلما آذاه خصمه، سلاه ربه، وتجيء تلك التسلية تارة عن طريق قصص الأنبياء والمرسلين التي لها في القرآن عرض طويل، وفيها يقول الله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [سورة هود آية: ١٢٠].
وتارة تجيء التسلية عن طريق وعد الله لرسوله بالنصر والتأييد والحفظ كما في قوله سبحانه: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [سورة الطور آية: ٤٨].
وقوله سبحانه: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [سورة المائدة آية: ٦٧]، ونحو ما في سورتي الضحى، وألم نشرح، من الوعود الكريمة والعطايا العظيمة.
وطورا تأتيه التسلية عن طريق إيعاد أعدائه وإنذارهم نحو قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [سورة القمر آية: ٤٥]، وقوله سبحانه: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [سورة فصلت آية: ١٣].
وطورا آخر ترد التسلية في صورة الأمر الصريح بالصبر نحو قوله تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [سورة الأحقاف آية: ٣٥].
أو في صورة النهي عن التفجع عليهم، والحزن منهم بنحو قوله تعالى: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ [سورة فاطر آية: ٨].
ونحو قوله سبحانه: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [سورة النحل آية: ١٢٧].
ويمكن أن تندرج هذه الحكمة بوجوهها الأربعة تحت قول الله تعالى في بيان الحكمة من تنجيم القرآن كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [سورة الفرقان آية: ٣٢].
[الحكمة الثانية التدرج في تربية هذه الأمة الناشئة علما وعملا]
، وينضوي تحت هذا الإجمال أمور خمسة أيضا:
أولها: تيسير حفظ القرآن على الأمة العربية، وهي كما علمت أمة أمية. وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لدى الكاتبين منهم على ندرتهم، وكانت مشتغلة بمصالحها المعاشية، وبالدفاع عن دينها الجديد، فلو نزل القرآن جملة واحدة لعجزوا عن حفظه، فاقتضت الحكمة العليا أن ينزله الله إليهم مفرقا ليسهل عليهم حفظه، ويتهيأ لهم استظهاره.
ثانيها: تسهيل فهمه عليهم كذلك، مثل ما سبق في توجيه التيسير في حفظه.