ترتبط بمعانيه الأصلية وما استفيد منها، للاعتبارات الآنفة، ولأن المعاني الأصلية ضيقة الدائرة محدودة الأفق، أما المعاني الثانوية فبحر زاخر متلاطم الأمواج تتجلى فيها علوم الله وحكمته وعظمته الإلهية، وتظهر منها فيوضات الله وإلهاماته العلوية على من وهبهم هذه الفيوضات والإلهامات من عباده المصطفين، وورثة كلامه المقربين، وأهل الذوق والصفاء من العلماء العاملين، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه. آمين.
[المقصد الثاني] إعجاز القرآن:
المقصد الثاني من نزول القرآن الكريم: أن يقوم في فم الدنيا آية شاهدة برسالة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم، وأن يبقى على جبهة الدهر معجزة خالدة تنطق بالهدى ودين الحق، ظاهرا على الدين كله، ووجوه إعجاز القرآن الكريم كثيرة نفصلها في مبحثها إن شاء الله، بيد أننا ننبهك هنا إلى أن بلاغته العليا وجه بارز من هذه الوجوه، بل هي أبرز وجوهه وجودا، وأعظمها أفرادا؛ لأن كل مقدار ثلاث آيات قصار معجز ولو كان هذا المقدار من آية واحدة طويلة، فقد تحدى الله أئمة البيان أن يأتوا بسورة من مثله، وأقصر سورة هي سورة الكوثر، وآياتها ثلاث قصار، وإذا كان أئمة البيان في عصر ازدهاره والنباغة فيه قد عجزوا فسائر الخلق أشد عجزا، ولقد فرغنا من أن بلاغة القرآن منوطة بما اشتمل عليه من الخصوصيات، والاعتبارات الزائدة وأنت خبير بأنها سارية فيه سريان الماء في العود الأخضر أو سريان الروح في الجسم الحي، وإن نظم القرآن الكريم مصدر لهداياته كلها سواء منها ما كان طريقه هيكل النظم، وما كان طريقه تلك الخصوصيات الزائدة عليه، وهنا يطالعك العجب العجاب، حين تجد دليل صدق الهداية الإسلامية قد آخاها، واتحد مطلعهما في سماء القرآن فأداه وأداها.
[المقصد الثالث] التعبد بتلاوة القرآن:
المقصد الثالث من نزول القرآن: أن يتعبد الله خلقه بتلاوته، ويقربهم إليه، ويأجرهم على مجرد ترديد لفظه ولو من غير فهمه، فإذا ضموا إلى التلاوة فهما زادوا أجرا على أجر. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ
غَفُورٌ شَكُورٌ
[سورة فاطر آية: ٢٩ - ٣٠].
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف»