قال ابن دقيق العيد: جعل بعض المتأخرين من أهل الحديث هذا المذهب متفقا عليه وليس كما قال.
وقال ابن القطان في كتاب «الوهم والإيهام»: الخلاف إنما هو في غير الداعية، أما الداعية: فهو ساقط عند الجميع. قال أبو الوليد الباجي: الخلاف في الداعية بمعنى أنه يظهر بدعته، بمعنى حمل الناس عليها فلم يختلف في ترك حديثه.
الشرط الثالث- العدالة:
قال الرازي في المحصول: هي هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا، حتى يحصل ثقة النفس بصدقه، ويعتبر فيها الاجتناب عن الكبائر وعن بعض الصغائر كالتطفيف بالحبة، وسرقة باقة من البقل، وعن المباحات القادحة في المروءة؛ كالأكل في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأرذال، والإفراط في
المزاح، والضابط فيه: أن كل من لا يؤمن من جراءته على الكذب يرد الرواية، وما لا فلا. اه.
وأصل العدالة في اللغة: الاستقامة. يقال: طريق عدل: أي مستقيم، وتطلق على استقامة السيرة والدين. قال الزركشي في البحر: واعلم أن العدالة شرط بالاتفاق، ولكن اختلف في معناها، فعند الحنفية: عبارة عن الإسلام مع عدم الفسق.
وعندنا: ملكة في النفس تمنع من اقتراف الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة، والرذائل المباحة كالبول في الطريق، والمراد جنس الكبائر والرذائل الصادق بواحدة.
قال ابن القشيري: والذي صح عن الشافعي أنه قال: في الناس من يمحص الطاعة فلا يمزجها بمعصية، وفي المسلمين من يمحص المعصية ولا يمزجها بالطاعة، فلا سبيل إلى رد الكل، ولا إلى قبول الكل، فإن كان الأغلب على الرجل من أمره الطاعة والمروءة؛ قبلت شهادته وروايته، وإن كان الأغلب المعصية وخلاف المروءة؛ رددتها.
قال ابن السمعاني: لا بد في العدل من أربع شرائط:
١ - المحافظة على فعل الطاعة واجتناب المعصية.
٢ - أن لا يرتكب من الصغائر ما يقدح في دين أو عرض.
٣ - أن لا يفعل من المباحات ما يسقط القدر ويكسب الندم.
٤ - أن لا يعتقد من المذاهب ما يرده أصول الشرع.
والأولى أن يقال في تعريف العدالة: أنها التمسك بآداب الشرع، فمن تمسك بها فعلا وتركا فهو العدل المرضي، ومن أخلّ بشيء منها، فإن كان الإخلال بذلك الشيء يقدح في دين فاعله أو تاركه كفعل الحرام وترك الواجب؛ فليس بعدل، وأما اعتبار العادات