الصحابة في الترتيب، إنما كان قبل علمهم بالتوقيف، أو كان في خصوص ما لم يرد فيه توقيف دون ما ورد فيه، ويمكن مناقشة دليلهم الثاني بأنه خاص بمحل وروده وهو سورة الأنفال والتوبة ويونس، فلا يصح أن يصاغ منه حكم عام على القرآن كله.
القول الثاني: أن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول صلّى الله عليه وسلم
كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه صلّى الله عليه وسلم.
واستدل أصحاب هذا الرأي بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان ولم يخالف منهم أحد، وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف؛ لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بمخالفتهم، لكنهم لم يتمسكوا بها بل عدلوا عنها وعن ترتيبهم، وعدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها، ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعا، ثم ساقوا روايات لمذهبهم كأدلة يستند إليها الإجماع.
منها ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن حذيفة الثقفي قال:«كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف، إلى أن جاء في هذه الرواية ما نصه:
فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «طرأ عليّ حزب من القرآن، فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه، فسألنا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا؟: نحزّبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من «ق» حتى نختم». قالوا: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
لكن هذه الدلالة غير ظاهرة فيما نفهم اللهمّ إلا في ترتيب حزب المفصل خاصة بخلاف ما سواه.
واحتجوا لمذهبهم أيضا بأن السور المتجانسة في القرآن لم يلتزم فيها الترتيب والولاء، ولو كان الأمر بالاجتهاد للوحظ مكان هذا التجانس والتماثل دائما، لكن ذلك لم يكن، بدليل أن سور المسبّحات لم ترتب على التوالي بينما هي متماثلة في افتتاح كل منها بتسبيح الله، بل فصل بين سورها بسور «قد سمع»، «والممتحنة»، «والمنافقون» وبدليل أن «طسم الشعراء وطسم القصص» لم يتعاقبا مع تماثلهما بل فصل بينهما بسورة أقصر منهما وهي «طس» النمل وقد أيد هذا المذهب أبو جعفر النحاس فقال: «المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحديث وائلة»«أعطيت مكان التوراة السبع الطوال».