ومن تفاسير الشيعة كتاب يسمّى «مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار» مؤلفه يدعى المولى عبد اللطيف الكازلاني من النجف، وهذا التفسير مشتمل على تأويلات تشبه تأويلات الباطنية السابقة، فالأرض يفسرها بالدين، وبالأئمة عليهم السلام، وبالشيعة، وبالقلوب التي هي محل العلم وقراره، وبأخبار الأمم الماضية ... إلخ، فيقول في قوله تعالى: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [سورة النساء آية: ٩٧] المراد دين الله وكتاب الله.
ويقول في قوله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [سورة الحج آية: ٤٦]. المراد: أولم ينظروا في القرآن. فأنت ترى أنه قد حمل اللفظ الذي لا يجهله أحد على معان غريبة من غير دليل، وما حمله على ذلك إلا مركب الهوى، والتعصب الأعمى لمذهبه.
وذلك لا شك ضلال لا يقل عن ضلال الباطنية والبهائية: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [سورة الزمر آية: ٢٣].
[التفسير الإشاري:]
وهو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف، ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضا.
وقد اختلف العلماء في التفسير المذكور، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، وإليك شيئا من أقوال العلماء لتعرف وجه الحق في ذلك.
قال الزركشي في البرهان: كلام الصوفية في تفسير القرآن قيل: إنه ليس بتفسير، وإنما هو معان ومواجيد يجدونها عند التلاوة، كقول بعضهم في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [سورة التوبة آية: ١٢٣] أن المراد: النفس، يريدون أن علة الأمر بقتال من يلينا هي القرب، وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه.
وقال ابن الصلاح في فتاويه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق في التفسير، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر.
قال ابن الصلاح: وأنا أقول: الظن بمن يوثق به منه إذا قال شيئا من ذلك أنه لم يذكره تفسيرا، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة؛ فإنه لو كان كذلك لكانوا قد سلكوا مسلك الباطنية؛ وإنما ذلك منهم تنظير لما ورد به القرآن. فإن النظير يذكر بالنظير، ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك لما فيه من الإبهام والالتباس.
وقال النسفي في عقائده: النصوص على ظواهرها، والعدول عنها إلى معان يدعيها