عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص معدّلين على عدالته، وتارة تثبت بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة؛ استغنى فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا، وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه.
وممن ذكر ذلك من أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ، ومثّل ذلك بمالك وشعبة، والسفيانين، والأوزاعي، والليث، وابن المبارك، ووكيع، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين.
[فائدة:]
التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور، لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها، فإن ذلك يحوج المعدّل إلى أن يقول:«لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، فعل كذا وكذا» فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، وذلك شاق جدّا.
وأما الجرح: فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبيّن السبب؛ لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بد من بيان سببه لينظر فيه أهو جرح أم لا، وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله.
وذكر الخطيب الحافظ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل: البخاري، ومسلم وغيرهما، ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وكإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم. واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم. وهكذا فعل أبو داود السجستاني، وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه، ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة.
وعقد الخطيب بابا في بعض أخبار من استفسر في جرحه فذكر ما لا يصلح جارحا.
منها: عن شعبة أنه قيل له: لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون، فتركت حديثه.