[أقسام الآحاد]
واعلم أن الآحاد تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: خبر الواحد وهو الذي تقدم ذكره، وهو المسمى بالغريب.
والقسم الثاني: المستفيض، وهو ما رواه ثلاثة فصاعدا في كل طبقة.
وقيل: ما زاد على الثلاثة.
وقال أبو إسحاق الشيرازي: أقل ما تثبت به الاستفاضة اثنان.
قال السبكي: والمختار عندنا أن المستفيض ما يعده الناس شائعا.
والقسم الثالث: المشهور، وهو ما اشتهر ولو في القرن الثاني أو الثالث إلى حد ينقله ثقات لا يتوهم تواطؤهم على الكذب، ولا تعتبر الشهرة بعد القرنين، هكذا قال الحنفية فاعتبروا التواتر في بعض طبقاته وهي الطبقة التي روته في القرن الثاني أو الثالث فقط، فبينه وبين المستفيض عموم وخصوص من وجه لصدقهما على ما رواه الثلاثة فصاعدا، ولم يتواتر في القرن الأول ثم تواتر في أحد القرنين المذكورين، وانفراد المستفيض إذا لم ينته في أحدهما إلى التواتر، وانفراد المشهور فيما رواه اثنان في القرن الأول ثم تواتر في الثاني والثالث.
وجعل الجصاص المشهور قسما من المتواتر ووافقه جماعة من أصحاب الحنفية، وأما جمهورهم فجعلوه قسيما للمتواتر لا قسما كما تقدم.
واعلم أن الخلاف الذي ذكرناه في أول هذا البحث من إفادة خبر الآحاد الظن أو العلم مقيد بما إذا كان خبرا واحدا لم ينضم إليه ما يقويه، وأما إذا انضم إليه ما يقويه أو كان مشهورا أو مستفيضا فلا يجري فيه الخلاف المذكور.
ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم؛ لأن الإجماع عليه قد صيّره من المعلوم صدقه.
وهكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول فكانوا بين عامل به ومتأول له.
ومن هذا القسم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، فإن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول ومن لم يعمل بالبعض من ذلك فقد أوله، والتأويل فرع القبول.
قيل: ومن خبر الواحد المعلوم صدقه أن يخبر به في حضور جماعة هي نصاب التواتر ولم يقدحوا في روايته مع كونهم ممن يعرف علم الرواية ولا مانع يمنعهم من القدح في ذلك وفي هذا نظر. اه من إرشاد الفحول للشوكاني مع اختصار.