كان الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه يعرفون عن القرآن وعلومه، ما عرفه العلماء وفوق ما عرفه العلماء من بعد. ولكن معارفهم لم توضع على ذلك العهد كفنون مدوّنة ولم تجمع في كتب مؤلفة؛ لأنهم لم تكن لهم حاجة إلى التدوين والتأليف.
أما الرسول صلوات الله وسلامه عليه فلأنه كان يتلقى الوحي عن الله وحده، والله تعالى كتب على نفسه ليجمعنه له في صدره، وليطلقن لسانه بقراءته وترتيله، وليميطن له اللثام عن معانيه وأسراره. اقرأ إن شئت قوله سبحانه:
ثمّ بلّغ الرسول صلّى الله عليه وسلم ما أنزل عليه لأصحابه، وقرأه على الناس على مكث أي: على مهل وتؤدة، ليحسنوا أخذه، ويحفظوا لفظه، ويفهموا سره، ثم شرح الرسول صلّى الله عليه وسلم لهم القرآن بقوله، وبعمله، وبتقريره، وبخلقه: أي بسنته الجامعة لأقواله، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، مصداقا لقوله سبحانه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل آية: ٤٤].
وكان الصحابة وقتئذ عربا خلّصا، متمتعين بجميع خصائص العروبة ومزاياها الكاملة من قوة في الحافظة، وذكاء في القريحة، وتذوق للبيان، وتقدير للأساليب، ووزن لما يسمعون بأدق المعايير، حتى أدركوا من علوم القرآن ومن إعجازه بسليقتهم وصفاء فطرتهم، ما لا نستطيع نحن أن ندركه مع زحمة العلوم، وكثرة الفنون.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم مع هذه الخصائص أميين، وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لديهم، والرسول صلّى الله عليه وسلم نهاهم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن، وقال لهم أول العهد بنزول القرآن فيما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. وحدثوا عني ولا حرج. ومن كذب