قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت؟ ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه».
وقال أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن فقال: «نزلت في سفح ذلك الجبل» وأشار إلى سلع. اه.
ولعل هذا التوجيه الذي ذكرته أولى مما ذكره القاضي أبو بكر في الانتصار؛ إذ يقول ما نصه: «ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلم في ذلك قول؛ لأنه لم يأمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول صلّى الله عليه وسلم». اه. قرطبي.
[الضوابط التي يعرف بها المكي والمدني]
قد عرفنا فيما مضى أن مرد العلم بالمكي والمدني هو السماع عن طريق الصحابة والتابعين، بيد أن هناك علامات وضوابط يعرف بها المكي والمدني، وهاك ضوابط المكي.
١ - كل سورة فيها لفظ «كلا» فهي مكية، وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن ثلاثا وثلاثين مرة، في خمس عشرة سورة كلها في النصف الأخير من القرآن.
قال الدريني رحمه الله:
وما نزلت «كلا» بيثرب فاعلمن ... ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى
قال العمّاني: «وحكمة ذلك أن نصف القرآن الأخير نزل أكثره بمكة، وأكثرها جبابرة، فتكررت فيه على وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم، بخلاف النصف
الأول. وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه لذلتهم وضعفهم اه.
٢ - كل سورة فيها سجدة فهي مكية لا مدنية سوى سورة الحج.
٣ - كل سورة في أولها حروف التهجي فهي مكية سوى سورة البقرة وآل عمران، فإنهما مدنيتان بالإجماع، وفي الرعد خلاف.
٤ - كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السابقة فهي مكية سوى البقرة.
٥ - كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة أيضا.
٦ - كل سورة فيها يأيها الناس، وليس فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهي مكية ولكنه ورد على هذا ما تقدم بين يديك من سورة الحج.