للمروي له بأنه رجل آخر غير ذلك الرجل، فإن كان مقصد الراوي بذلك التغرير على السامع بأن المروي عنه غير ذلك الرجل، فلا يخلو إما أن يكون ذلك الرجل المروي عنه ضعيفا، وكان العدول إلى غير المشهور من اسمه أو كنيته ليظن السامع أنه رجل آخر غير ذلك الضعيف، فهذا التدليس قادح في عدالة الراوي، وإما أن يكون مقصد الراوي مجرد الإغراب على السامع مع كون المروي عنه عدلا، على كل حال فليس هذا النوع من التدليس بجرح كما قال ابن الصلاح وابن السمعاني. وقال أبو الفتح ابن برهان: هو جرح.
وثالثها: أن يكون التدليس بإطراح اسم الراوي الأقرب وإضافة الرواية إلى من هو أبعد منه، مثل أن يترك شيخه ويروي الحديث عن شيخ شيخه. فإن كان المتروك ضعيفا؛ فذلك من الخيانة في الرواية ولا يفعله إلا من ليس بكامل العدالة. وإن كان المتروك ثقة وترك ذكره لغرض من الأغراض التي لا تنافي الأمانة والصدق ولا تتضمن التغرير على السامع، فلا يكون ذلك قادحا في عدالة الراوي، إذا جاء في الرواية بصيغة محتملة نحو أن يقول: قال فلان، أو روي عن فلان، أو نحو ذلك، أما لو قال: حدثنا فلان، أو أخبرنا فلان، وهو لم يحدّث ولم يخبره بل الذي حدثه أو أخبره وهو من ترك ذكره؛ فذلك كذب يقدح في عدالته.
والحاصل: أن من كان ثقة واشتهر بالتدليس فلا يقبل إلا إذا قال: حدثنا، أو أخبرنا، أو سمعت، لا إذا لم يقل كذلك لاحتمال أن يكون قد أسقط من تقوم الحجة بمثله.
[شروط مدلول الخبر]
وأما الشروط التي ترجع إلى المعنى الذي دلّ عليه الخبر؛ فالمتفق عليه منها ثلاثة:
الأول: أن لا يستحيل وجوده في العقل، فإن أحاله العقل ردّ.
الشرط الثاني: أن لا يكون مخالفا لنص مقطوع به على وجه لا يمكن الجمع بينهما بحال.
الشرط الثالث: أن لا يكون مخالفا لإجماع الأمة عند من يقول بأنه حجة قطعية.
وأما إذا خالف القياس القطعي فقال الجمهور: إنه مقدّم على القياس، وقيل: إن كانت مقدمات القياس قطعية قدّم القياس، وإن كانت ظنية؛ قدم الخبر، وإليه ذهب أبو بكر الأبهري.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إنهما متساويان. وهناك آراء أخرى لا أهمية لذكرها.
والحق تقديم الخبر الخارج من مخرج صحيح أو حسن على القياس مطلقا، إذا لم يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه، كحديث المصراة وحديث العرايا فإنهما مقدمان على القياس.
وقد كان الصحابة والتابعون إذا جاءهم الخبر لم يلتفتوا إلى القياس ولا ينظرون فيه،