كتبا كثيرة. قال الرشيد: قد أحسنت، لكن إنما سألت عن كتاب الله المنزل على ابن عمي محمد صلّى الله عليه وسلم. فقال الشافعي: إن علوم القرآن كثيرة، فهل تسألني عن محكمه ومتشابهه، أو عن تقديمه وتأخيره، أو عن ناسخه ومنسوخه، أو عن ... ، أو عن ... ؟؟
وصار يرد عليه من علوم القرآن، ويجيب عن كل سؤال بما أدهش الرشيد والحاضرين.
فأنت ترى من جواب الشافعي هذا، ومن نطقه بالحكمة في هذا الموقف الرهيب ما يدلك على أن قلوب أكابر العلماء كانت أوعية لعلوم القرآن من قبل أن تجمع في كتاب.
ونحن لا نستبعد على الشافعي هذا، فقد كان آية من آيات الله في علمه وذكائه، وفي ابتكاره وتجديده، وفي قوة حجته وتوفيقه. حتى إنه وضع كتابه (الحجة) في العراق يستدرك به على مذاهب أهل الرأي، وألف في مصر كتبا يستدرك بها على مذاهب بعض أهل الحديث ثم وضع دستورا للاجتهاد والاستنباط لم يتسن لأحد قبله، إذ كان أول من صنف في أصول الفقه وهو من علوم القرآن كما علمت. قال ابن خلدون في مقدمته:«كان أول من كتب فيه- أي علم أصول الفقه- الشافعي رضي الله عنه، أملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها على الأوامر والنواهي، والبيان، والخبر، والنسخ، وحكم العلة المنصوصة من القياس اهـ.
[أول عهد لظهور هذا الاصطلاح]
لقد كان المعروف لدى الكاتبين في تاريخ هذا الفن، أن أول عهد ظهر فيه هذا الاصطلاح أي اصطلاح علوم القرآن، وهو القرن السابع.
لكني ظفرت في دار الكتب المصرية بكتاب لعليّ بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي المتوفى سنة ٣٣٠ هـ اسمه «البرهان في علوم القرآن» وهو يقع في ثلاثين مجلدا، والموجود منه الآن خمسة عشر مجلدا، من نسخة مخطوطة، وإذا نستطيع أن نتقدم بتاريخ هذا الفن إلى بداية القرن الرابع.
ثم جاء القرن السادس فألف فيه ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ كتابين: أحدهما اسمه: «فنون الأفنان في علوم القرآن»، والثاني اسمه:«المجتبى في علوم تتعلق بالقرآن». وكلاهما مخطوط بدار الكتب المصرية.
وفي القرن السابع ألف علم الدين السخاوي المتوفى سنة ٦٤١ هـ كتابا سماه:
«جمال القراء». وألف أبو شامة المتوفى سنة ٦٦٥ هـ كتابا أسماه:«المرشد الوجيز فيما يتعلق بالقرآن العزيز» وهما- كما قال السيوطي:- عبارة عن طائفة يسيرة ونبذ