للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما قول الصحابي: هذا ناسخ وذاك منسوخ، فلا ينهض دليلا على النسخ، لجواز أن يكون الصحابي صادرا في ذلك عن اجتهاد أخطأ فيه فلم يصب فيه عين السابق ولا عين اللاحق خلافا لابن الحصّار، وكذلك لا يعتمد في معرفة الناسخ والمنسوخ على المسالك الآتية:

١ - اجتهاد المجتهد من غير سند؛ لأن اجتهاده ليس بحجة.

٢ - قول المفسر: هذا ناسخ أو منسوخ من غير دليل؛ لأن كلامه ليس بدليل.

٣ - ثبوت أحد النصين قبل الآخر في المصحف؛ لأن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول.

٤ - أن يكون أحد الروايين من أحداث الصحابة دون الراوي للنص الآخر، فلا يحكم بتأخر حديث الصغير عن حديث الكبير؛ لجواز أن يكون الصغير قد روى المنسوخ عمن تقدمت صحبته، ولجواز أن يسمع الكبير الناسخ من الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد أن يسمع الصغير منه المنسوخ، إما إحالة على زمن مضى، وإمّا لتأخر تشريع الناسخ والمنسوخ كليهما.

٥ - أن يكون أحد الراويين أسلم قبل الآخر، فلا يحكم بأن ما رواه سابق الإسلام منسوخ وما رواه المتأخر عنه ناسخ، لجواز أن يكون الواقع عكس ذلك.

٦ - أن يكون أحد الراويين قد انقطعت صحبته لجواز أن يكون حديث من بقيت صحبته سابقا حديث من انقطعت صحبته.

٧ - أن يكون أحد النصين موافقا للبراءة الأصلية دون الآخر، فربما يتوهم أن الموافق لها هو السابق، والمتأخر عنها هو اللاحق، مع أن ذلك غير لازم؛ لأنه لا مانع من تقدم ما خالف البراءة الأصلية على ما وافقها، مثال ذلك: قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا وضوء مما مست النار» فإنه لا يلزم أن يكون سابقا على الخبر الوارد بإيجاب الوضوء مما مست النار، ولا يخلو وقوع هذا من حكمة عظيمة هي تخفيف الله عن عباده بعد أن ابتلاهم بالتشديد.

[قانون التعارض:]

وعلى ذكر التعارض في هذا الباب، نبين لك أن النصين المتعارضين إما أن يتفقا في أنهما قطعيان أو ظنيان، وإما أن يختلفا فيكون أحدهما قطعيّا والآخر ظنيّا.

أما المختلفان فلا نسخ بينهما، لأن القطعي أقوى من الظني، فيؤخذ به، وما كان اليقين ليترك بالظن. وأما المتفقان: فإن علم تأخر أحدهما بطريق من تلك الطرق الثلاث المعتمدة؛ فهو الناسخ والآخر المنسوخ، وإن لم يدل عليه واحد منهما؛ وجب التوقف. وقيل: يتخير الناظر بين العمل بهما.

<<  <   >  >>