مثاله: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن، فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير، فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح، والله أعلم. اه ابن الصلاح.
متى يكون الضعيف قويّا
لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث: «الأذنان من الرأس» ونحوه فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضد بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا؟.
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة. فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر؛ عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختلّ فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ؛ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك: ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذّا، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة، والله أعلم.
[أول من جمع صحاح الحديث]
أول من اعتنى بجمع الصحيح: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه صاحبه وتلميذه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري. فهما أصح كتب الحديث، والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة.
ومن هنا ينفصل لك النزاع في ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم، كما هو قول الجمهور، خلافا لأبي علي النيسابوري شيخ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب.