وسواء أكان ترتيب السور توقيفيّا أم اجتهاديّا فإنه ينبغي احترامه خصوصا في كتابة المصاحف؛ لأنه عن إجماع الصحابة، والإجماع حجة، ولأن خلافه يجر إلى الفتنة، ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب.
أما ترتيب السور في التلاوة فليس بواجب، وإنما هو مندوب، وإليك ما قاله الإمام النووي في كتابه «التبيان» إذ جاء في هذا الموضوع بما نصه:
قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة، ثم آل عمران، ثم ما بعدها على الترتيب، سواء أقرأ في الصلاة أم في غيرها، حتى قال بعض أصحابنا: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة.
وقال بعض أصحابنا: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها، إلا فيما ورد الشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ في الأولى سورة «السجدة» وفي الثانية هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، وصلاة العيد في الأولى «ق»، وفي الثانية اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. وركعتي الفجر في الأولى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين.
ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى، أو خالف الترتيب فقرأ سورة قبلها، جاز فقد جاءت بذلك آثار كثيرة، وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بالكهف، وفي الثانية بيوسف.
وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا؛ لأنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات.
وقد روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل وعن الإمام مالك ابن أنس أنهما كرها ذلك وأن مالكا كان يعيبه ويقول: هذا عظيم، وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن. وليس من هذا الباب، فأن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة، على ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم. والله أعلم. اه. رحمه الله.