عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره، أو يختلط بالقرآن ما ليس منه، مادام الوحي نازلا بالقرآن، فلتلك الأسباب المتضافرة لم تكتب علوم القرآن، كما لم يكتب الحديث الشريف إلا عدد محدود في آخر حياة النبي صلّى الله عليه وسلم، ومضى الرعيل الأول على ذلك في عهد الشيخين أبي بكر وعمر. ولكن الصحابة كانوا مضرب الأمثال في نشر الإسلام وتعاليمه، والقرآن ومفاهيمه، وتعليم السنة ونقلها إلى غيرهم تلقينا لا تدوينا، ومشافهة لا كتابة.
[عهد التمهيد لتدوين علوم القرآن]
ثم جاءت خلافة عثمان رضي الله عنه، وقد اتسعت رقعة الإسلام، واختلط العرب الفاتحون بالأمم التي لا تعرف العربية، وخيف أن تذوب خصائص العروبة من جراء هذا الفتح والاختلاط، بل خيف على القرآن نفسه أن يختلف المسلمون فيه إن لم يجتمعوا على مصحف إمام، فتكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
لهذا أمر رضي الله عنه أن يجمع القرآن في مصحف إمام، وأن تنسخ منه مصاحف يبعث بها إلى أقطار الإسلام، وأن يحرق الناس كل ما عداها ولا يعتمدوا سواها كما يأتيك تفصيله في مبحث «جمع القرآن وكتابته».
وبهذا العمل وضع عثمان رضي الله عنه الأساس لما نسميه «علم رسم القرآن أو علم الرسم العثماني».
ثم جاء عليّ رضي الله عنه فلاحظ العجمة تحيف على اللغة العربية، وسمع ما أوجس منه خيفة على لسان العرب، فأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع بعض قواعد لحماية لغة القرآن من العبث والخلل، وخط له الخطط وشرع له المنهج، وبذلك يمكننا أن نعتبر أن عليّا رضي الله عنه قد وضع الأساس لما نسميه علم النحو، ويتبعه علم إعراب القرآن (على الخلاف في هذه الرواية).
ثم انقضى عهد الخلافة الرشيدة، وجاء عهد بني أمية، وهمة مشاهير الصحابة والتابعين متجهة إلى نشر علوم القرآن بالرواية والتلقين، لا بالكتابة والتدوين، ولكن هذه الهمة يصح أن نعتبرها تمهيدا لتدوينها، وعلى رأس من ضرب بسهم وفير في هذه الرواية: الأربعة الخلفاء، وابن عباس، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وكلهم من الصحابة رضوان الله عليهم. وعلى رأس التابعين في تلك الرواية: مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والحسن البصري، وسعيد بن