لفلان ولمن يولد له، أو أجزت لك ولولدك ولعقبك ما تناسلوا» كان ذلك أقرب إلى الجواز من الأول. ولمثل ذلك أجاز أصحاب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما أو من قال ذلك منهم في الوقف القسمين كليهما، وفعل هذا الثاني في الإجازة من المحدثين المتقدمين أبو بكر بن أبي داود السجستاني؛ فإنا روينا عنه أنه سئل الإجازة فقال:«قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة» يعني الذين لم يولدوا بعد.
النوع السادس من أنواع الإجازة: إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز إذا تحمله المجيز بعد ذلك، أخبرني من أخبر عن القاضي عياض بن موسى من فضلاء وقته بالمغرب، فقال:«هذا لم أر من تكلم عليه من المشايخ، ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يسمعونه»، ثم حكى عن أبي الوليد يونس بن مغيث قاضي قرطبة أنه سئل الإجازة بجميع ما رواه إلى تاريخه وما يرويه بعد فامتنع من ذلك.
فغضب السائل، فقال له بعض أصحابه: يا هذا يعطيك ما لم يأخذه؟ هذا محال.
قال عياض:«وهذا هو الصحيح».
[القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه: المناولة:]
وهي على نوعين:
أحدهما: المناولة المقرونة بالإجازة، وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق. ولها صور:
منها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول: «هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عنّي، أو أجزت لك روايته عني». ثم يملكه إياه. أو يقول:«خذه وانسخه وقابل به ثم ردّه إليّ» أو نحو هذا.
ومنها: أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له: «وقفت على ما فيه وهو حديثي عن فلان، أو روايتي عن شيوخي فيه، فاروه عني. أو أجزت لك روايته عني» وهذا قد سماه غير واحد من أئمة الحديث «عرضا» وقد سبقت حكايتنا في القراءة على الشيخ أنها تسمى «عرضا» أيضا، فلنسمّ ذلك «عرض القراءة» وهذا «عرض المناولة».
وهذه المناولة المقترنة بالإجازة حالّة محل السماع عند مالك وجماعة من أئمة أصحاب الحديث.
وحكى الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في عرض المناولة المذكور عن كثير من المتقدمين أنه سماع. وهذا مطّرد في سائر ما يماثله من صور المناولة المقرونة بالإجازة.