للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقول: إذا أجاز أن يروي عنه مروياته فقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا.

وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا، كما في القراءة على الشيخ كما سبق، وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة.

النوع الثاني من أنواع الإجازة: أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول: «أجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو جميع مروياتي» وما أشبه ذلك، فالخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر. والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية بها أيضا، وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه.

النوع الثالث من أنواع الإجازة: أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول:

«أجزت للمسلمين، أو أجزت لكل أحد، أو أجزت لمن أدرك زماني» وما أشبه ذلك فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوّز أصل الإجازة واختلفوا في جوازه، فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاضر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب، وممن جوز ذلك كله أبو بكر الخطيب الحافظ.

وروينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ أنه قال: «أجزت لمن قال لا إله إلا الله». وجوّز القاضي أبو الطيب الطبري- أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه الخطيب- الإجازة لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة، وأجاز أبو محمد بن سعيد أحد الجلّة من شيوخ الأندلس لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم، ووافقه على جواز ذلك جماعة منهم أبو عبد الله بن عتاب رضي الله عنهم. وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من جوابه أن من أدركه من الحفاظ نحو أبي العلاء الحافظ وغيره كانوا يميلون إلى الجواز.

قلت: ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة سوّغوها، والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله. والله أعلم اه. ابن الصلاح.

النوع الرابع من أنواع الإجازة: الإجازة للمجهول أو بالمجهول، ويتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط وذلك مثل أن يقول: «أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي»، وفي وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا الاسم والنسب، ثم لا يعين المجاز له منهم، أو يقول: «أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن» وهو يروي أكثر من كتاب من كتب السنن المعروفة بذلك، ثم لا يعيّن. فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها.

النوع الخامس من أنواع الإجازة: الإجازة للمعدوم، ولنذكر معه الإجازة للطفل الصغير. هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين واختلفوا في جوازه. ومثاله أن يقول:

«أجزت لمن يولد لفلان» فإن عطف المعدوم في ذلك على الموجود بأن قال: «أجزت

<<  <   >  >>