ولقد تأثر العلماء برسول الله صلّى الله عليه وسلم في ذلك منذ عهد الصحابة إلى اليوم، وها هي المكتبات العامة والخاصة زاخرة بالتفاسير العربية للقرآن الكريم على رغم ما اندثر منها، وعلى رغم ما يأتي به المستقبل من تفاسير يؤلفها من لا يقنعون بقديم، ويتلقاها عنهم من يجدون في أنفسهم حاجة إلى عرض جديد لعلوم القرآن والدين، مما يدل على أن القرآن بحر الله الخضم، وأن العلماء جميعا من قدامى ومحدثين لا يزالون وقوفا بساحله، يأخذون منه على قدر قرائحهم وفهومهم، والبحر بعد ذلك هو البحر في فيضانه وامتلائه، والقرآن هو القرآن في ثروته وغناه بعلومه وبأسراره: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [سورة الكهف آية: ١٠٩].
[٣ - ترجمة القرآن بمعنى تفسيره بلغة أجنبية:]
هذا هو الإطلاق الثالث المستند إلى اللغة- أيضا- ويراد به تفسير القرآن بلغة غير لغته، أي بلغة أعجمية لا عربية، ولا ريب عندنا في أن تفسير القرآن بلسان أعجمي لمن لا يحسن العربية، يجري في حكمه مجرى تفسيره بلسان عربي لمن يحسن العربية، فكلاهما عرض لما يفهمه المفسر من كتاب الله بلغة يفهمها مخاطبه، لا عرض لترجمة القرآن نفسه، وكلاهما حكاية لما يستطاع من المعاني والمقاصد، لا حكاية لجميع المقاصد، وتفسير القرآن الكريم يكفي في تحققه أن يكون بيانا لمراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، ولو جاء على احتمال واحد؛ لأن التفسير في اللغة هو الإيضاح والبيان، وهما يتحققان ببيان المعنى ولو من وجه.
ولأن التفسير في الاصطلاح: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية، وهذا يتحقق أيضا بعرض معنى واحد من جملة معان يحتملها التنزيل، وإذا كان تفسير القرآن بيانا لمراد الله بقدر الطاقة البشرية، فهذا البيان يستوي فيه ما كان بلغة العرب، وما ليس بلغة العرب؛ لأن كلّا منهما مقدور للبشر، وكلّا منهما يحتاجه البشر، بيد أنه لا بد من أمرين:
١ - أن يستوفي هذا النوع شروط التفسير باعتبار أنه تفسير.
٢ - أن يستوفي شروط الترجمة باعتبار أنه نقل لما يمكن من معاني اللفظ العربي بلغة غير عربية.