وثمة قول ثالث: أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأزمان على النبي صلّى الله عليه وسلم. وكأن صاحب هذا القول ينفي النزول جملة إلى بيت العزة في ليلة القدر.
وذكروا قولا رابعا أيضا هو أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة، وأن جبريل نجمه على النبي صلّى الله عليه وسلم في عشرين سنة.
ولكن هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة بمعزل عن التحقيق، وهي محجوجة بالأدلة التي سقناها بين يديك تأييدا للقول الأول.
والحكمة في النزول، على ما ذكره السيوطي نقلا عن أبي شامة هي تفخيم أمره (أي القرآن) وأمر من نزل عليه بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم، وبإنزاله مرتين، مرة جملة، ومرة مفرقا. بخلاف الكتب السابقة، فقد كانت تنزل جملة مرة واحدة.
الإنزال الثالث:[كان على قلب النبي ص بواسطة جبرئيل ع]
هذا هو واسطة عقد الإنزالات؛ لأنه المرحلة الأخيرة التي منها شع النور على العالم، ووصلت هداية الله إلى الخلق، وكان هذا النزول بوساطة أمين الوحي جبريل يهبط به على قلب النبي صلّى الله عليه وسلم، ودليله قول الله تعالى مخاطبا رسوله صلّى الله عليه وسلم:
هذا من أنباء الغيب، فلا يطمئن الإنسان إلى رأي فيه إلا إن ورد بدليل صحيح عن المعصوم صلّى الله عليه وسلم، وكل ما عثرنا عليه أقوال منثورة هنا وهناك.
وأيّا ما تكن هذه الأقوال، فإن هذا الموضوع لا يتعلق به كبير غرض، ما دمنا نقطع بأن مرجع الإنزال هو الله تعالى وحده.
[ما الذي نزل به جبريل؟]
ولتعلم في هذا المقام أن الذي نزل به جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلم هو القرآن باعتبار أنه الألفاظ الحقيقية المعجزة من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وتلك الألفاظ هي كلام الله وحده، لا دخل لجبريل ولا لمحمد صلّى الله عليه وسلم في إنشائها وترتيبها. بل الذي رتبها أولا هو الله سبحانه تعالى، ولذلك تنسب له دون سواه، وإن نطق بها جبريل ومحمد، وملايين الخلق