٢ - وأخرج النسائي والحاكم والبيهقي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال:«أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. ثم قرأ: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [سورة الفرقان آية: ٣٣]. ووَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [سورة الإسراء آية: ١٠٦].
٣ - وأخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلّى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض».
٤ - وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود فقال:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وهذا أنزل في شوال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، وفي المحرم، وصفر، وشهر ربيع. فقال ابن العباس: إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام.
قال أبو شامة: رسلا: أي رفقا، وعلى مواقع النجوم: أي على مثل مساقطها.
يريد أنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق.
هذه أحاديث من جملة أحاديث ذكرت في هذا الباب، وكلها صحيحة كما قال السيوطي، وهي أحاديث موقوفة على ابن عباس غير أن لها حكم المرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، لما هو مقرر من أن قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه ولم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات، حكمه حكم المرفوع. ولا ريب أن نزول القرآن إلى بيت العزة من أنباء الغيب التي لا تعرف إلا من المعصوم صلّى الله عليه وسلم، وابن عباس لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات، فثبت الاحتجاج بها وكان هذا الإنزال جملة واحدة في ليلة واحدة هي ليلة القدر كما علمت؛ لأنه المتبادر من نصوص الآيات الثلاث السابقة، وللتنصيص على ذلك في الأحاديث التي عرضناها عليك. بل ذكر السيوطي أن القرطبي نقل حكاية الإجماع على نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا.
وهناك قول ثان بنزول القرآن إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين ينزل في كل ليلة قدر منها ما يقدر الله إنزاله في كل السنة، ثم ينزل بعد ذلك منجما في جميع السنة على النبي صلّى الله عليه وسلم.