قال الزركشي في البرهان: قد يكون النزول سابقا على الحكم كقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [سورة الأعلى آية: ١٤، ١٥]، فقد روى البيهقي وغيره عن ابن عمر أنها نزلت في زكاة الفطر. وأخرج البزار نحوه مرفوعا. وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؛ لأن السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة ولا صوم.
وأجاب البغوي؛ بأنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم، كما قال: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [سورة البلد آية: ١، ٢] فالسورة مكية وقد ظهر أثر الحل يوم فتح مكة حتى قال عليه السّلام: أحلت لي ساعة من نهار
وكذلك نزلت بمكة سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [سورة القمر آية: ٤٥] قال عمر بن الخطاب: فقلت: «أيّ جمع؟ فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فكانت ليوم بدر»، أخرجه الطبراني في الأوسط.
وكذلك قوله: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ [سورة ص آية: ١١]. قال قتادة:«وعده الله وهو يومئذ بمكة أنه سيهزم جندا من المشركين فجاء تأويلها يوم بدر»[أخرجه ابن أبي حاتم].
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله قُلْ جاءَ الْحَقُّ قال: السيف، والآية مكية متقدمة على فرض القتال، ويؤيد تفسير ابن مسعود ما أخرجه الشيخان من حديثه أيضا قال: دخل النبي صلّى الله عليه وسلم مكة يوم فتح مكة وحول الكعبة ثلثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. وما يبدئ الباطل وما يعيد.
وقال ابن الحصار: قد ذكر الله الزكاة في السور المكيات كثيرا تصريحا وتعريضا وبأن الله سينجز وعده لرسوله، ويقيم دينه، ويظهره حتى يفرض الصلاة والزكاة وسائر الشرائع، ولم تؤخذ الزكاة إلا بالمدينة بلا خلاف، وأورد من ذلك قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [سورة الأنعام آية: ١٤١]. وقوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [سورة المزمل آية: ٢٠]، ومن ذلك قوله فيها: وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
ومن ذلك قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً