للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سورة فصلت آية: ٣٣].

فقد قالت عائشة، وابن عمر، وعكرمة، وجماعة: إنها نزلت في المؤذنين والآية مكية ولم يشرع الأذان إلا بالمدينة.

ومن أمثلة ما تأخر نزوله عن حكمه: آية الوضوء. ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا، وأقبل أبو بكر، فلكزني لكزة شديدة وقال:

حبست الناس في قلادة، ثم إن النبي صلّى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ إلى قوله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة المائدة آية: ٦]، فالآية مدنية إجماعا وفرض الوضوء كان بمكة مع فرض الصلاة.

قال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلّى الله عليه وسلم لم يصلّ منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند. قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به؛ ليكون فرضه متلوّا بالتنزيل.

وقال غيره: يحتمل أن يكون أول الآية نزل مقدما مع فرض الوضوء، ثم نزل بقيتها، وهو ذكر التيمم في هذه القصة. قلت: يرده الإجماع على أن الآية مدنية.

ومن أمثلته أيضا: آية الجمعة فإنها مدنية والجمعة فرضت بمكة. وقول ابن الغرس:

إن إقامة الجمعة لم تكن بمكة قط، يرده ما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان، يستغفر لأبي أمامة، أسعد بن زرارة، فقلت: يا أبتاه أرأيت صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هذا؟ قال: أي بني: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة.

ومن أمثلته أيضا قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ [سورة التوبة آية: ٦٠]. فإنها نزلت سنة تسع، وقد فرضت الزكاة قبلها في أوائل الهجرة. قال ابن الحصار: فقد يكون

مصرفها قبل ذلك معلوما ولم يكن فيه قرآن متلو، كما كان الوضوء معلوما قبل نزول الآية، ثم نزلت تلاوة القرآن تأكيدا به.

<<  <   >  >>